بعد الابتهال لمحاولة لبنان اللحاق بركب الدول التي تحدّث وتطوّر قانون العقوبات بإدخال العقوبة البديلة والتي تقتضي العمل الاجتماعي المجاني، إلا أن الجمود لفّ تنفيذ هذا القانون. فبعد أن أمضى قانون استبدال بعض العقوبات بعقوبة العمل الاجتماعي المجاني ثمانية أعوام في أدراج المجلس النيابي وعلى طاولات لجانه وهيئته العامة، إنما بقي حاله كما حال عشرات القوانين التي لا تطبّق من قبل الجهات المولجة بالتطبيق، حيث لم تُصدر الحكومات المتعاقبة المرسوم التطبيقي الخاص به.
ويلفت أمين سر "جمعية نضال لأجل الإنسان"، فريد محمود الى أن "القانون نصّ في المادة الأولى منه على وجوب إصدار لائحة بالمؤسسات والجمعيات المدنية، التي يمكن أن يتمّ العمل لديها، بقرار من وزيري العدل والشؤون الاجتماعية، والتي يجب أن يتم العمل المجاني لديها، على سبيل المثال لا الحصر الصليب الأحمر، الهلال الأحمر، مصلحة مياه الليطاني، الخ..."، معتبراً أن "الحكومة لم تلعب دورها في هذا الصدد".
الى ذلك، طالما أن اللائحة المذكورة لم تصدر عن الوزيرين المعنيين لن يتمكّن القاضي من استبدال العقوبة حتى ولو تكوّنت القناعة لديه بضرورة هذا الاستبدال. وهنا لفت محمود الى أن القاضي غير ملزم بإستبدال العقوبة حيث لكل واقعة أركانها وأسبابها والأمر يعود لتقدير القاضي.
ويشدد محمود على أن "الهدف الأساسي من اعتماد العقوبة البديلة أو بعقوبة العمل الاجتماعي المجاني تجنيب الإساءة لسمعة المتهم وعائلته ومحيطه وبيئته، في حال دخل السجن، خصوصاً في مجتمع ضيق كمجتمعنا، كما أن العقوبة البديلة لا تعني إعفاءه من العقوبة، لأن الظروف التي أحاطت ارتكاب العمل قد تجعله غير مستحق السجن، وبالتالي لا تتوقف حياته ونشاطه اليومي".
الى ذلك، يعتبر محمود أن السجون في ظل واقعها الحالي "مدرسة للإجرام"، معيداً ذلك الى أنه "نتيجة الاكتظاظ فيها لم يعد هناك من إمكانية للفصل بين السجناء، فتجد من هو مسجون بحادث سير أو نتيجة خطأ غير مقصود أو جنحة غير شائنة الى جانب محكوم بجريمة قتل عن سابق تصوّر وتصميم او مخدرات، ونتيجة المعشر قد يخرج من السجن حاملاً عادات لا تمت الى واقعه السابق بصلة، علماً أن القانون في لبنان يقسّم السجون، الى سجن للجنايات وسجن للجنح سجن للعقوبات وغيره. وينص بشكل واضح على عدم جواز اختلاط المساجين الذين لديهم ارتكابات مختلفة."
من ناحية أخرى، يسهم هذا القانون في "تفعيل العمل الاجتماعي والتطوعي ويمنح المتهم فرصة للإحساس بالمسؤولية، بالإضافة الى تمكين المتهم من الاستفادة من وقته بإنتاجية، من قبل الجمعيات والمؤسسات العامة، عوضاً عن هدره في السجن "، بحسب محمود.
بالمقابل، يرى محمود أن تحديد العقوبة بثماني ساعات عمل يومياً مسألة يجب أن يعاد النظر بها، معتبراً إياها فترة طويلة، ومن الأفضل ألا تتجاوز الساعتين كي يتمكّن من تأمين معيشته أو إكمال دراسته أو متابعة أمور يومية أخرى ضرورية في حياته وحياة عائلته.
ولعلّ تطبيق العقوبة البديلة، من بين الحلول التي تسهم بطريقة غير مباشرة في الحد من الاكتظاظ في السجون اللبنانية، علماً أنها تقتصر على فئة معينة من المعاقبين جزائياً. الى ذلك، ثمة نتائج إيجابية غير مباشرة لتطبيقها، إذ "تنعكس إيجاباً من الناحية الاقتصادية، من خلال تقليل الأعباء المالية على الدولة، خصوصاً أن كلّ سجين يكلّف الدولة مئات الآلاف يومياً، هذا بالإضافة الى أن السجين يتعطّل عن الإنتاج وبالتالي التوقف عن المساهمة في الناتج القومي للمجتمع"، بالرغم من أن هذا الأمر ليس هدفاً مباشراً للقانون.
وعليه، الى متى سيبقى تطبيق القوانين مبتورا؟ والى متى، سنبقى نجتزئ التطبيق ولا نصل الى حلول حاسمة لأزماتنا؟ صحيح أن بعض القوانين المقرّة قد يعتريها ثغرات أو تحتاج الى تعديل يواكب التغيرات العالمية في معالجة القضايا الاجتماعية والإنسانية بما يتوافق مع حقوق الإنسان، إنما الخلل في التطبيق يسيء، في جميع الحالات، إلى القضية التي يعالجها القانون!