Advertise here

العقل التدميري

24 أيار 2019 16:01:00 - آخر تحديث: 25 أيار 2019 09:38:38

ثمة من يحاول تصوير عدّ الذين تمّ توظيفهم منذ عام 2017 خلافاً لقانون سلسلة الرتب والرواتب أنه "إنجاز" "وعمل جبار" استوجب أشهراً من الكدّ والتعب والبحث والتحقيق في الإدارات والوزارات. والحقيقة أننا أمام فضيحتين: الأولى تتمثل في التوظيف غير القانوني بحد ذاته والكلفة المالية المترتبة على الدولة اللبنانية في وقت يقومون فيه بـ "لميّة " لتأمين واردات قي موازنة 2019. والثانية هي في الحديث عن الإنجاز والتعب والانتصار!! والسبب أن كل الموظفين يقبضون رواتبهم ومخصصاتهم وتعويضاتهم وعلاواتهم من وزارة المالية!! وبالتالي الأسماء موجودة ومعروفة. فلماذا هذه "المسخرة" والمسرحية البشعة المفتعلة والمؤجل الإعلان عن نتائجها منذ أشهر لتعلن اليوم؟؟ دون الإشارة الى من وظفوا في المؤسسات الأمنية وكأنها خارج إطار الدولة أو الإنفاق من ميزانيتها. والسبب واضح هنا بجوانبه السياسية والطائفية للأسف في منهجية إدارة شؤون الدولة منذ بداية "اتفاق المصالح" حتى اليوم، في عملية انتقامية مكلفة لكل اللبنانيين، كرد فعل على سنوات سابقة لم يكن خلالها "اصحاب القرار" اليوم في الدولة ومؤسساتها. 

وثمة من يطرح سؤالاً عن دور مجلس الخدمة المدنية في التوظيفات غير القانونية وعن نية طيبة ربما، ولكن لا يشير الى الامتحانات التي أجراها مجلس الخدمة المدنية وأعلن نتائجها ولا يزال الناجحون ينتظرون "الفرج" "والرحمة" والموافقة من قبل رموز العملية الانتقامية لتنفرج أمورهم ويحصلون على حقوقهم وينتسبون الى الدولة ويخدمونها!

وثمة من ذهب الى محاولة الارتداد على قرار اتخذه مجلس الوزراء في سياق مناقشة الموازنة ويقضي بتمديد فترة التقاعد للضباط العسكريين الى سنوات إضافية مما هي عليه اليوم!! لماذا المحاولة؟؟ ليس لتخفيف أعباء مالية من خلال تسريح سريع لعدد من الضباط العسكريين. بل لإفساح المجال أمام ضباط من دورة معينة للإمساك بمفاصل القرار بعد خروج زملائهم. هذا ما يقال في دوائر رسمية وسياسية وحزبية كثيرة وكواليس مناقشات "الكبار" "والصغار" في البلد. 

وثمة من يتساءل: لماذا كان إصرار من قبل رئيس الجمهورية على الإسراع في بت موضوع الكهرباء خلال جلسة واحدة في بعبدا فاضطر الجميع الى القبول ويجري التلكؤ اليوم، وترك جلسات مناقشة الموازنة في السراي الحكومي مفتوحة ترافقها "مرمرة" رئيس الحكومة والوزراء من قبل "الوزير الأقوى" في الدولة؟؟ أليست الموازنة أمراً مهماً ينبغي إنجازه في أسرع وقت؟؟ 

وثمة من أشار الى أن الدعوة الى ضبط الحدود الشرعية وغير الشرعية لمنع التهريب تهدف الى عودة الحديث عن نزع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات. واعتبر أصحاب هذه النظرية أن في الأمر "مؤامرة". غريب لأن نزع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات هو قرار اتخذ بالإجماع على طاولة الحوار في 2 آذار عام 2006 بدعوة من الرئيس نبيه بري، فتجاوز هؤلاء الإجماع اللبناني الذي استذكروه واستندوا إليه لإتهام الزعيم الوطني وليد جنبلاط عندما تحدث عن مزارع شبعا وضرورة تثبيت لبنانيتها لدى الأمم المتحدة بما ينسجم مع الإجماع ذاته على طاولة الحوار!! 

نحن أمام ظواهر غريبة عجيبة في الحياة السياسية وإدارة شؤون البلاد. وإذا كان أصحابها يعتقدون أن الإستخفاف بعقول الناس والاستباحة للدولة ومؤسساتها في "غفلة من الزمن" بسبب تنازل آخرين عن ممارسة دورهم وتحمّل مســـؤولياتهم فلا شيئ يدوم. فقط ينبغي أن يتعلم هؤلاء إذا أرادوا، من تجارب الماضي البعيد والقريب ليدركوا مخاطر ما يفعلون ويتوقفون عن فعله فكيف إذا كانوا يعرفون تمام المعرفة أنهم ليسوا أحراراً. فإذا كان ثمة من يغطيهم فلن تكون التغطية على حساب مصالح  "المغطي" الاستراتيجية. بل ستنقلب المعادلات عليهم وسيحصدون الخيبات والصدمات مجدداً هل ثمة إمكانية لعملية جراحية في العقل التدميري؟؟