"نفّخ عليها" يا معالي الوزير...!

24 أيار 2019 08:10:00 - آخر تحديث: 24 أيار 2019 15:49:15

مطلع هذا الاسبوع تابع اللبنانيون في البلاد وفي أقطار الاغتراب، ومعهم المعنيون بالشأن اللبناني في الأقطار العربية ودول العالم، مشهد إقتحام سرايا الحكومة في قلب العاصمة بيروت... المقتحمون، فوجاً خلف فوج، كانوا مدربين على مواجهة مثل هذا الحدث، كانوا الأفواج الاخرى التي تتصدى لهم دفاعاً عن الحرم الحكومي المقيم في الصرح التراثي الفخم.

فالجبهتان المتواجهتان، صدراً إلى صدر، هما واحدة، هي المدرسة العسكرية التي علمتهم النظام وتطبيق القانون، حماية للأمن الوطني الجماعي.

لكن الفاصل بين الجبهتين كان الحق العام، من جهة، والقانون، والواجب من جهة ثانية.

فالمهاجمون عسكريون متقاعدون، مهددون بتخفيض مرتباتهم (تخفيضاً للعجز في موازنة الدولة، وتضخم الدين العام) و"المتصدون" لهم هم رفاقهم الذين حلوا مكانهم في الخدمة وتلبية نداء الواجب، لكن الفرق بين الاوائل المهاجمين والآخرين المدافعين، أن الاوائل أدوا خدمتهم للشعب والوطن، فتجردوا من سلاحهم ومسؤولياتهم، وإعتمدوا على حقوقهم وسواعدهم في الدفاع عن مخصصاتهم المشروعة. أما الرفاق الآخرون المدافعون عن أمن السرايا وعن المسؤولين فيها، فقد أدوا واجبهم بالحد الادنى من المقاومة بالدروع، وبالنتيجة كان المشهد للتاريخ...

فالفريقان هما على موعد مع الزمن للقاء والاندماج بعد نهاية الخدمة العسكرية والعودة إلى الحياة المدنية.

لكن أين العبرة في ذلك المشهد؟

إنها في الواقع اللبناني، الرسمي، والشعبي، من قمة الهرم الرئاسي إلى أدنى وظيفة في القطاع العام. فالنواب الوزراء، والوزراء غير النواب، لهم مخصصاتهم بالملايين، ومعظمهم من الموسرين، وأصحاب مؤسسات وثروات، وإمتيازات، وهم في النيابة، كما في الوزارة، لديهم السيارات، الرسمية، والخصوصية، "المفوّلة" من المال العام، مع المواكبة، والمناوبة، و "المباوبة" في الوزارة، وفي المنزل، وعلى الطريق...

....ولماذا لا يحاسب النواب، على عدد الجلسات التي يحضرونها؟!

تلك المواكب المؤلفة من 128 نائباً، وثلاثين وزيراً، هم ممثلو الشعب المؤلف من كل الفئات، والفئة الكبرى هي الفقراء، والعاطلون عن العمل... هؤلاء مدعوون لدفع الضرائب مع غرامات التأخير لسبب واحد، هو إنكماش ذات اليد، ولا مورد رزق، ولا فرصة عمل... فيما الـ 158 نائباً ووزيراً لا يطال مخصصاتهم وثرواتهم أدنى تخفيض.

ومن عجائب الافكار ولاقتراحات التي تصدر عن مراجع حكومية ونيابية لتغطية عجز الموازنة ترويج رخص "الزجاج المفوّم" الذي يحجب من في السيارة، مقابل رسوم محددة، لكن، لماذا، ولاي سبب، أو غاية؟... لا توضيح... ولا جواب عن سؤال من نوع "من يجرؤ من فصائل شرطة السير على إعطاء إشارة بالتوقف لسائق السيارة "المفوّمة" ومن فيها؟

وفوق ذلك قرر مجلس الوزراء طرح 2500 لوحة عمومية لسيارات "سرفيس" عمومية، يبلغ سعرها نحو مليار ونصف مليار ليرة لبنانية.

لكن، هل تنبه الوزراء إلى حال سيارات "السرفيس" العمومية في شوراع بيروت والمناطق؟ طبعاً الوزراء لم يجربوا الانتقال في سيارات "السرفيس" ودفع ألفي ليرة مقابل الراكب الواحد، ولم يعرفوا البؤس في حال السيارة التي تدور في شوراع بيروت والضواحي بحثاً عن راكب واحد، وقد يمضي السائق نهاره، ولا يحصل على مقابل ثمن البنزين الذي إستهلكته سيارته...

... وهذا الموضوع يقود إلى سؤال أهم:

من عطّل مواكب أوتوبيس النقل العام الذي كان يدور في شوراع العاصمة والضواحي، وصولاً إلى مدن بعيدة في المناطق؟... ولحساب من؟...

كان هناك مشروع لتأميم النقل العام المريح، والنظيف، والمنظم، الضامن لتنقل اللبنانيين في كل أنحاء البلاد مقابل ربع القيمة التي تدفع لسيارات متهالكة، وخاسرة لاصحابها وركابها... فمن عطل هذا المشروع؟ ولحساب من؟...

بيروت مدينة باتت قريبة من مرتبة عاصمة ملوّثة البيئة بسبب سحب الدخان السام المنبعث من السيارات المتهالكة، ويدخل البيوت من أبوابها ونوافذها... ولا رقابة، ولا محاسبة على السبب والمسبب... هي حال بيروت، كما حال صيدا، وطرابلس، وصور، وعاليه...

لقد دخل لبنان فصل الاصطياف وصار في عمقه. فليتفضل النواب والوزراء للقيام بجولات على مناطق ومدن الجبال والسواحل، قبل أن يغادر (بعضهم) إلى الاصطياف في بلدان السياحة، والنظافة، والمناخ المنعش!

...والخبر التالي مهم:

وزير السياحة أواديس كيدانيان طلب من مجلس الوزراء في جلسته الاخيرة إلغاء رسم الالف ليرة على كل نفس "أركيلة" في المطاعم والفنادق... فرفض الوزراء الطلب...

ومع ان الاركيلة من العادات المسببة للأمراض الخطيرة على الصحة العامة فلا يجوز للوزير المختص ان يعاقب من يتعاطاها بغرامة مالية لحساب تخفيض الدين العام...

... ولو... نفس أركيلة كمان عليه ضريبة؟!

نفّخ عليها يا معالي الوزير... يمكن تنجلي...!