Advertise here

الحسابات الاستراتيجية.. والاقتصادية

20 كانون الأول 2022 07:43:33

زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى الرياض لم تكُن الأولى، فهو زارها في عام 2016، وسبق لقادة المملكة أن أجروا مباحثات مع القيادات الصينية خلال زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز لبكين عام 2017، وإبان زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عام 2019. ولا تعني الإشارة إلى هذه المحطات التقليل من أهمية القمم التي عقدها الرئيس جين بينغ مع القادة السعوديين والخليجيين والعرب عامةً في الرياض خلال زيارته الأخيرة، فهذه القِمم الثلاث كانت مؤثرة من حيث مضمونها، ومن حيث توقيتها في هذه اللحظة السياسية الدولية المُربِكة. والبيان الختامي الذي صدر بعد الانتهاء من الاجتماع مع القادة والرؤساء العرب؛ حمل رسائل متعددة، وعبَّر عن إرادة واضحة بتطوير العمل المشترك بين الجانبين.

كثُرت التحليلات والاستنتاجات بعد انتهاء زيارة جين بينغ، وبالغت مراكز دراسات ووسائل إعلامية في تفسير الاهتمام السعودي بالضيف الكبير، واعتبرت أن تغييراً استراتيجياً حصل في سياسة المملكة، وهو بمثابة الانقلاب على الرؤى السابقة برمتها، وفي أن الرياض تريد الانتقام من الأخطاء التي ارتكبتها الولايات المتحدة في المنطقة.

في واقع الحال؛ فإن الحسابات السعودية لم تأخذ هذه الاعتبارات كقاعدة للتفاهمات التي أبرمتها مع الصين، ويبدو أنها استندت إلى الركائز التي اعتمدتها في خطة 2030 في التعامل مع الضيف الكبير، وأساسها الانفتاح على كل القوى والاتجاهات في العالم، بعيداً عن الاستقطابات المحورية.

وتعزيز العلاقة مع الصين – وحتى مع روسيا – لا يعني بأي حال من الأحوال أنه موجه ضد الولايات المتحدة، بل إنه يخفي طموحات تنموية وتجارية ويساعد على الاستقرار، وهذا ما أكده وزير الخارجية السعودي فرحان بن فيصل بن عبد العزيز في مؤتمر السياسة العالمية الذي عقد في أبو ظبي في 2022/12/12، معتبراً العلاقة بين بلاده وواشنطن قوية جداً. وأعاد تأكيد هذا الموقف أمام المؤتمر ذاته وزير الطاقة عبد العزيز بن سلمان، وهو قال: «إن سياستنا داخل منظمة أوبك بلاس لا تنطلق من منظور سياسي على الإطلاق، بل تستند إلى حسابات اقتصادية وتجارية وإلى استقرار الأسواق فقط».

المقاربات الإستراتيجية البارزة في قمم الرياض؛ كانت لتأكيد التغييرات المهمة التي تحصل على الساحة الدولية، لناحية أفول الآحادية القطبية، والولوج في عصرٍ جديد، عماده الانفتاح بعيداً عن سياسة المحاور التي كانت تكبِّل الخارطة السياسية العربية، بحيث تمّ تصنيف دولها – لا سيما الخليجية – كأنها تقف مع المحور الغربي في مواجهة المحور الشرقي، وهذا غير صحيح، وأراد قادة السعودية ومعهم الجمع الوازن من القادة العرب تأكيد هذه الواقعة، واعتبار الانفتاح المتجدِّد على الصين من ضمن خطة استراتيجية تساعد على الاستقرار وعلى تطوير التنمية الاقتصادية والصناعية والتجارية، وفي أن المنطقة العربية برمتها منفتحة على التعاون مع الشرق والغرب، وليست مداً حيوياً خالصاً لأي محور، مع رفض لمنطق الصراع الحضاري الذي يروج له مفكرو الغرب.

قد تكون المسألة المهمة الفارقة التي وردت في البيان الختامي؛ موضوع اعتراف الصين بهوية الجزر الإماراتية الثلاث في مياه الخليج العربي، والتي تحتلها إيران، وقابل هذا الاعتراف؛ تأكيد عربي على وحدة الأراضي الصينية بما فيها جزيرة تايوان. وفي هذه الإشارة تطور مهم، أزعج قادة واشنطن الذي يطالبون باستقلال كامل لتايوان من جهة، وأدى إلى امتعاض قادة النظام الإيراني من جهة ثانية، لأنهم يدعون أن الجزر الثلاث جزء من الأراضي الإيرانية. وقد سارعت الصين إلى إرسال نائب رئيس الوزراء هو تون هوا إلى طهران لتهدئة الموقف، والإعلان عن اتفاقات جديدة لتطوير حقول النفط والغاز، وفي هذه المسألة يبدو التشدُّد الإيراني واضحاً، ويمكن اعتباره رفضاً للمبادرة الصينية لحل الخلافات القائمة، لاسيما حول المصالحة في اليمن، وفي الملف النووي، على اعتبار أن للمسألتين أخطاراً كبيرة على الأمن القومي العربي، ولا يمكن التساهل فيهما.

لا تحتاج أهمية القمم التي عُقدت في الرياض إلى شرح، فهي أكدت نجاح السعودية في قيادة استقطاب عربي جامع من جهة، وأوضحت أن الرؤى العربية المستقبلية تعتمد على استراتيجية السير وراء المصالح، وليس السير خلف المحاور.