اليوم العالمي للغة العربية
20 كانون الأول 2022
05:35
Article Content
في اليوم العالمي للغة العربية الذي أقرّته الأمم المتحدة عام 2012 نحن مدعوون جميعاً في كل مواقعنا لحماية لغة "الضاد" التي ينطق بها 400 مليون إنسان ، وتعتبر اللغة السادسة المعتمدة رسمياً في هيئة الأمم، وهي تواجه تحديات كثيرة أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
- تحت نظرية العولمة واقتصاد السوق – أي الهيمنة للأقوى في التسويق والانتاج الموسيقي والغنائي والأدبي والكتابي – نبدو أمام محاولة اجتياج مبرمج لإضعاف لغتنا وموقعها لإسقاط هويتنا وانتمائنا.
- في عصر وسائل التواصل الاجتماعي نقف أمام جيل يتواصل من خلالها باعتماد اللغة العربية العامية مكتوبة بالأحرف الأجنبية فنكاد أحياناً لا نفهم شيئاً ، وكثيرون يستسهلون الأمر وآخرون لا يكترثون أو لا ينتبهون الى خطورته لكننا لا ننسى أن شعوباً عربية استعمرت، وعمل الاستعمار على محو لغتها لفترة طويلة فبات ابناؤها يتحدثون العربية باستخدام كلمات وتعابير ومصطلحات المستعمر، وغالبية منهم لا تكتب العربية. ولفترة قصيرة جداً كانت المراسلات الرسمية داخل الادارات والمؤسسات في الدول التي استعمرت ثم تحرّرت بفعل جهاد وتضحيات ابنائها تتم باللغة الأجنبية بشكل خاص في الدول العربية في شمال أفريقيا. اليوم وبعد فشل الاستعمار في تكريس الاحتلال وطمس التاريخ واللغة وقتل الذاكرة، نعيش تحت نوع آخر من الاستعمار " اللغوي " أو الثقافي بتأثير مواقع التواصل وما تقوم به كما ذكرت ، دون التقليل بالتأكيد من إيجابيات تلك المواقع في نواح كثيرة في حياتنا .
- ثمة أثر بالغ الأهمية للتربية البيتية. عندما نترك أطفالنا تحت رعاية " المساعدات المنزليات " أو "المربيات"، نرى أنفسنا أمام أجيال تعيش بين أهلها وكأنها في المغتربات البعيدة . لا تنطق إلا باللغة الأجنبية . نحن هنا نضيّع لغتنا ، ونُفقد أبناءنا مشاعرهم وأحاسيسهم للتفاعل مع بيئتهم وأرضهم وجنسيتهم وتاريخهم وعاداتهم وتقاليدهم وتراثهم الفكري والأدبي والانساني .. وهذا بحد ذاته خطر كبير على مستقبلهم ومستقبل بلادنا . في وقت نرى غالبية المغتربين تذهب الى إنشاء مدارس في الدول التي تتواجد فيها لتعليم اللغة العربية لأبناء الجاليات العربية . كما يذهب البعض الى ساعات تدريس خاصة للغة العربية لأبنائهم فيما هي مهددة في ديارنا!!
- غالبية العاملين في الميدان السياسي لا علاقة لها باللغة العربية. ترتكب اخطاء في مواقع التواصل، وحتى في الصحف، وفي نشرات الأخبار وعلى المنابر وفي البرامج السياسية، جارحة جداً ومسيئة. وتختلط اللغة العامية باللغة الفصحى ولا يجيد كثيرون في إرسال أفكارهم إن تكلموا بهذه اللهجة أو تلك . وهذا أمر مزعج مقلق . إذ يفترض بالمتحدثين أنهم مؤتمنون على قضايا وقناعات وأمانات ورسالات ومجتمعات ومصائر الناس . وحدّث ولا حرج عندما تستمع الى متكلمي المنابر ويفترض أن نقول " الخطباء " يفترض ذلك . نفتقد اليوم من يعلّمنا ويطربنا ويُسمعنا من اللغة وبلاغتها ما لا نجده في لغات أخرى . لا أصوات ولا مضامين ولا مشاعر وأحاسيس إنها حالة من الفوضى الفكرية والسياسية واللغوية والاعلامية والتعبيرية تسيئ الى مشاعرنا فيما اللغة العربية هي من أغنى اللغات بالمفردات .
- في هذا السياق ، لم يعد ثمة حرمة للكلمة . بل إساءة مفتوحة للغة في خطاباتنا - دون تعميم بالتأكيد أو تخصيص – ومصطلحاتنا وحواراتنا وصراعاتنا وطرق وأساليب ومضامين التعبير عنها . نستسهل كل شيئ . لذلك السائد شتيمة وتخوين واتهام وانحطاط ولا مبالاة ولا مسؤولية . المتحدث أمام الناس هو مسؤول أمامهم عن لغتهم ، عن آذانهم عن أذواقهم وأحاسيسهم ومشاعرهم مهما كان موقعه وعلا شأنه الى حد يعتبر نفسه مسؤولاً عنهم . المسؤول عنهم يتحمّل عبئاً أكبر لأنه مسؤول أمامهم . نحن أمام استباحة واستهلاك لكلام لا علاقة له بجوهر التزاماتنا الفكرية والثقافية والسياسية . عندما نقف متحدثين مدافعين عن قضية وانتماء ورسالة يجب أن ننطلق من قناعة أننا باختيارنا لتعابيرنا وكلماتنا ومصطلحاتنا وأمثلتنا وشواهدنا لدينا مخزون كبير في لغتنا لا ينضب فإما أن نكون على مستوى الكلمة والكلام والدفاع عن ما نحن مقتنعون به وإلا نكون أول من يتحمّل مسؤولية السقوط .
- ثمة في متناولنا كتب ومجلات ومقالات وكتابات مترجمة من لغات عالمية الى العربية وهي لا تحتل موقع اللغة العربية ولها موقعها بين القراء والمتابعين . موضوع الترجمة موضوع مهم في الدفاع عن الوجود والتاريخ والانتماء والقناعات والأوطان . ويجب إيلاؤه الأهمية التي يستحق . لدينا منذ قرون من الزمن علماء في كافة أنواع العلوم وخطباء ولامعون ومنتجون وأدباء وكتاّب وشعراء يمكن هنا الاستفادة من تسليط الضوء عليهم في مواقع التواصل الاجتماعي ونشر ترجمات إنتاجهم وتعريف الشعوب الأخرى بهم .
لغتنا إنتماؤنا . مسؤولية الحفاظ عليها كبيرة وأمانة فلنكن على مستوى هذه المسؤولية والأمانة .
إعلان
يتم عرض هذا الإعلان بواسطة إعلانات Google، ولا يتحكم موقعنا في الإعلانات التي تظهر لكل مستخدم.