Advertise here

الأوروبيون غائبون عن الرئاسة... ماذا يحصل؟

20 كانون الأول 2022 07:01:09

تشكّل الإنتخابات الرئاسية اللبنانية الإستثناء حسب كل المعايير، إذ لا يتطلّب إنتخاب أي رئيس للجمهورية في الشرق حشداً دولياً في طبخته، كما يحصل في الاستحقاق اللبناني، ولا يشترط توافقاً إقليمياً ودولياً... بينما الرئاسة اللبنانية تحظى بهذه الميزة.

منذ نشأة لبنان الكبير، والجمهورية المنقسمة على نفسها تنتظر كلمة سرّ خارجية لانتخاب رئيسها، وهذه الكلمة تنقلت بين فرنسا في زمن الإنتداب، وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية ومصر في جمهورية ما قبل الحرب، وأميركا وسوريا في زمن الإحتلال السوري، وصولاً إلى دخول العامل الإيراني بقوّة بفضل ظهور نجم «حزب الله» فبات الإستحقاق الرئاسي يتطلّب تفاهماً أميركياً - إيرانياً - سعودياً.

ويبدو أنّ الدول التي تحاول أن يكون لها موطئ قدم في لبنان فهمت اللعبة جيداً، وأدركت أنّ النفوذ الأساسي والحاسم تملكه هذه الدول الثلاث، في حين أنّ لبنان يبقى متأثراً ثقافياً واجتماعياً بأوروبا نتيجة العلاقات التاريخية التي نسجها الموارنة مع فرنسا وبقية الدول الأوروبية.

واللافت للأنظار، هو أنّ الحركة الدبلوماسية التي شهدها لبنان خلال فترة الفراغ الرئاسي الذي امتدّ من أيار 2014 إلى تشرين الأول 2016 كانت بأغلبيتها الساحقة أوروبية بامتياز، إذ إنه لم يكن يمرّ شهر من دون زيارة وفد أوروبي سواء كان دانماركياً أو سويسرياً أو فنلندياً او إيطالياً إلى بيروت، من باب التأكيد على أهمية إنتخاب رئيس جديد للجمهورية.

هذا الحراك الأوروبي، يغيب في زمننا الحالي، والسبب حسبما يكشف مصدر دبلوماسي لـ»نداء الوطن» يعود لعوامل عدة أبرزها:

أولاً: إنشغال أوروبا بالحرب الروسية - الأوكرانية وتركيزها العسكري في تلك المنطقة لأنّ سقوط أوكرانيا كان يعني أنّ أبواب أوروبا ستصبح مشرّعة أمام الرئيس فلاديمير بوتين، في حين أنّ أوروبا تعمل لتأمين إحتياطي من الغاز بعد فرض العقوبات على الغاز والنفط الروسيين، لذلك فإنّ هذا الملف يأتي في سلّم اولوياتها.

ثانياً: تسليم أوروبا بالدور الفرنسي في لبنان، فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ينسّق الخطوط العريضة لسياسته اللبنانية مع الدول الاوروبية وعلى رأسها ألمانيا، من هنا فإنّ الدور الذي يقوم به ماكرون يحظى بمباركة أوروبية.

ثالثاً: جرى تضخيم الدور الأوروبي في الفترات السابقة، بينما تأثيره محدود في السياسة اللبنانية، وقد ظهر هذا الأمر خلال الإنتخابات الرئاسية الماضية خصوصاً أنّ كل الحراك الأوروبي لم يأت بأي نتيجة.

رابعاً: هناك تسليم أوروبي بأنّ لبنان محكوم غربياً بكلمة السرّ التي تأتي من واشنطن، والدليل هو فشل مبادرة ماكرون بعد انفجار مرفأ بيروت، وهم باتوا على اطلاع على طبيعة تركيبة الطبقة السياسية اللبنانية ويدركون أنّ دورهم معنوي واقتصادي واجتماعي ولا دور سياسياً كبيراً لهم، أو أقلّه هم غير مؤثرين بالشكل المطلوب لأنهم لا يملكون العصا الغليظة التي تملكها واشنطن.

خامساً: عدم التجاوب الداخلي مع كل الدعوات الأوروبية بدليل نسف طاولة الحوار التي كانت ترعاها السفارة السويسرية، وهذا الأمر لم يشجّع دولاً أوروبية أخرى على التدخل في الأزمة اللبنانية.

وتجتمع هذه العوامل لتضع الأوروبيين على هامش اللعبة اللبنانية، بينما التدخّل المعنوي والحسيّ الأكبر هو للفرنسيين فقط لا غير والذين يعملون تحت الجناح الأميركي، ويُصنّف دور باريس في الأزمة الرئاسية واللبنانية على أنه دور توفيقي ويأتي كتحضير أرضية قبل أن تصل كلمة السرّ من واشنطن. لذلك فإنّ كلّ الأسماء التي ترمى يميناً ويساراً وتخرج من العواصم الأوروبية ليست جدية إذا لم تحظ بدعم أميركي وتبقى في إطار التسويق الإعلامي فقط لا غير، ولا تتحول الأسماء جديّة إلّا بعدما تتبناها الدول الفاعلة ويقبل بها القسم الأكبر من أفرقاء الداخل.