Advertise here

تجفيف السوق من الليرة لكمةٌ في الهواء

19 كانون الأول 2022 12:49:01

كتبَ العميد المتقاعد دانيال الحداد في وكالة "أخبار اليوم":

أعلن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، في مقابلته الأخيرة مع قناة "الحرة"، "أن سعر صرف الدولار خاضع للعرض والطلب، لكن مصرف لبنان لن يدعه يتعدى هوامش معينة، وهو بالمرصاد للمضاربين، ولو استدعى الأمر ضخّ مليار دولار في السوق لسحب قسم من كمية العملة اللبنانية البالغة نحو 70 تريليون ليرة".

من الناحية النظرية يستطيع مصرف لبنان تجفيف السوق سريعاً من الليرة، لكن السؤال ما الذي سيحصل بعد ذلك؟
بكلّ بساطة سيتراجع سعر صرف الدولار بشكل دراماتيكي لفترة محدودة، عندها سيلجأ كلّ من بحوزته عملة وطنية إلى شراء الدولار على اسعار منخفضة، وبالتالي سيتمّ تجفيف السوق من الدولار أيضاً، فيخسر المصرف المركزي الدولارات التي ضخّها بالاضافة إلى خسارته المزيد من حجم الاحتياطي فنكون أمام كارثة أكبر، شبيهة بالكارثة الفنزوالية.

المسألة ليست بهذه السهولة، فهي أشبه بلعبة مقامرة مع فارقٍ وحيد أنّ نتيجتها محسومة سلفاً، فالليرات ستتناسل في السوق عاجلاً أم آجلاً، ولن يستطيع المصرف المركزي التهرّب منها، فهناك كتلة رواتب موظفي القطاع العام ومتقاعديه البالغة وحدها نحو 36 ألف مليار ليرة سنوياً مع الزيادات الجديدة ، وهناك نفقات الوزارات والإدارات، بالاضافة إلى الليرات الناجمة عن تسديد المصارف مستحقّات التعميمين 151 و158 وهي بعشرات آلاف مليارات الليرات،
وإذا احتسبنا أنّ واردات الدولة من رسوم وضرائب تعادل ثلث الليرات المفترض ضخّها في السوق، فإنّ الباقي كافٍ لابتلاع ما تبقى من الاحتياط الإلزامي خلال سنة أو سنة ونصف، عندها لن يبقى بحوزة المصرف أيّ عملة صعبة للدفاع عن الليرة، فيرتفع الدولار إلى أرقام فلكية أين منها الأرقام الحالية.
هذه الحقيقة يدركها الحاكم حتماً، ولكنّه مضطرّ إلى اعتماد سياسة القفز بين حقول الألغام لتمرير المراحل بأقلّ الخسائر الممكنة.

في معظم الدول التي تعرّضت لانهيارات مالية مشابهة للبنان، لم تعمد هذه الدول الى إعادة تحسين قيمة عملاتها الوطنية قسراً، بل إلى محاولة تثبيتها على أرقام تتلاءم مع واقعها الطارئ، والانطلاق مرّة أخرى، استناداً إلى التوازنات الاقتصادية والمالية المستجدّة التي تكفل الاستقرار، بالتزامن مع تحسين القدرة الشرائية للموظفين والمواطنين عموماً بصورة تدريجية.
أمّا عناصر هذا الاستقرار فهي معروفة وتتلخّص بالوصول إلى مرحلة يتمّ فيها تصفير عجز الموازنة على الأقل، وتحويل ميزان المدفوعات من سلبيّ إلى إيجابيّ، وهذان الأمران يتطلبان في وضع لبنان، إصلاحاً اقتصادياً ومالياً شاملاً، وإعادة النازحين السوريين إلى بلادهم، والشروع باستخراج الغاز والنفط، وزيادة الانتاج الوطني بمختلف وجوهه، وخلق الحوافز للاستثمار وتدفّق الأموال من الخارج.
من دون ذلك كلّه، سيبقى كلام الحاكم لكمةً في الهواء...