Advertise here

الجزائر أمام حائط مسدود: أحلى الخيارات مر!

24 أيار 2019 08:05:00 - آخر تحديث: 24 أيار 2019 12:16:16

وصلت الأزمة الجزائرية الى عنق الزجاجة، وباتت بنذر بمخاطر عديدة جراء تمسك قائد اركان الجيش قايد صالح، الذي يدير عملية الانتقال السياسي في البلاد، بموعد إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها الذي حدده الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح، ويرفض إقالة رموز النظام التي يطالب الشارع الجزائري برحيلهم، وينقل المراقب السياسي عن صالح قوله، "أنه قدم الكثير من التنازلات للشارع، من منع عبد العزيز بوتفليقة الترشح لولاية خامسة، إلى إقالته، إلى القبض على المقربين منه".

وبالتالي، فإن الجيش الذي يشكل العمود الفقري للنظام السياسي الجزائري منذ عام 1962، يرى أن على المتظاهرين بعد كل هذه التنازلات أن يذهبوا إلى انتخابات الرابع من تموز لطي الصفحة، وتجنيب البلاد  "الوقوع في فخ الفراغ الدستوري"، مشيرا إلى أن الجيش يريد التمسك بسيطرته وبامتيازاته.

ويرى المراقب السياسي أن الجزائر تشهد ثورة مضادة استيعابية للاحتجاجات الشعبي، يقودها قايد صالح، وهي أشبه انقلابا عسكري غير معلن، فاستراتيجية قايد صالح القائمة على تغيير الأشخاص والحفاظ على النظام، تتناقض تماما مع مطالب وتطلعات الجزائريين، الذين وجهوا رسالة رفض قوية الى رئيس أركان الجيش حين جددوا مطالبتهم بتأجيل الانتخابات الرئاسية وأكدوا خلال الجمعة الـ 13 على مطلبهم الأساسي برحيل رموز النظام السابق، كافة، لا سيما من يطلقون عليهم الباءات الثلاث (الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح - الطيب بالعزيز رئيس المجلس الدستوري - نور الدين بدوي رئيس حكومة تصريف الاعمال)، وقالوا "لا تراجع ولا استسلام".

وعلى الرغم من عدم وجود صلاحيات دستورية تخول صالح اتخاذ القرارات السياسية، إلاّ أن المراقب والمتابع لتطور الحراك الشعبي في الجزائر، يدرك أن الفريق قايد صالح بات "الرجل القوي" في البلاد منذ استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وإن مواقفه تلك، أدخلت البلاد في ما يشبه "حوار الطرشان"، بسبب تمسكه إجراء المرحلة الانتقالية، وفق الآليات الدستورية، التي تمنح الرئيس المؤقت صلاحية الإشراف على إجراء الانتخابات الرئاسية في مهلة 90 يوماً، والتي يرفضها الشارع الجزائري الذي يؤكد مطالبته رحيل رموز النظام قبل إجراء الانتخابات الرئاسية، بحيث يعتبرون أن إجراء الانتخابات حالياً لن تكون سوى "حفلة تنكرية"، تعيد انتاج النظام السابق بأسماء جديدة. ويصر المحتجين على رحيل رموز النظام كافة بما فيهم رئيس الأركان قايد صالح، وهذا ما أكدت عليه الشعارات التي هتف بها المتظاهرين في الجمعة 13، والتي طالبت بإسقاط قايد صالح ورحيل الباءات الثلاث، إذ يرى الجزائريون أن  ما حققوه خلال الأشهر السابقة من عمر الاحتجاجات والتي مكنتهم من "الاستيلاء على الفضاء العام" لا يشكل سوى المرحلة الأولى من الحراك الذي يرون فيه "ثورة" لن تتوقف، ولن تتراجع امام مناورات قايد صالح.

وسط هذه الأجواء التصعيدية، بين الشارع والجيش، دعا وزير الخارجية السابق والناشط في مجال حقوق الإنسان أحمد طالب الإبراهيمي وكل من علي يحيى عبد النور، والجنرال المتقاعد رشيد بنيليس، إلى تأجيل الانتخابات الرئاسية، وفتح حوار بين الجيش وممثلي الشارع، حيث بات من شبه المؤكد استحالة إجراء الانتخابات في موعدها، رغم إصرار المجلس الدستوري اعتبار السبت 25 أيار، والموعد النهائي المحدد للمرشحين جمع وتقديم 60 ألف توقيع، كشرط لمشاركتهم غمار العملية الانتخابية، وحيث تشير وزارة الداخلية إلى وجود 73 مرشحا للرئاسة، فإن أحداً لا يريد الدخول في هذه العملية التي تبدو محكومة بالفشل.

مصادر سياسية جزائرية كشفت لـ "الأنباء" عن أحاديث جانبية خلف الستائر لم تصل الى مستوى مبادرة متكاملة، تتناول مجموعة مقترحات تشكل مخرجا لائقاً للأزمة، تقوم على ثلاث نقاط:

-تأجيل الانتخابات الجزائرية حتى نهاية العام.
-تشكيل حكومة انتقالية من شخصيات مرموقة ومقبولة من المحتجين تتولى الإعداد للانتخابات الرئاسية وتسيير شؤون البلاد.
-اطلاق ندوة حوارية تتولى إصلاح النظام، تعيد الجزائر الى مكانتها بين الدول الافريقية والعربية.

وكشفت المصادر عن تداول بعض الأسماء المقبولة لإدارة المرحلة الانتقالية، منهم الوزير السابق أحمد طالب الإبراهيمي ورئيس الوزراء السابق أحمد بن بيتور.

ورأت المصادر ان تنظيم الانتخابات الرئاسية أو تأجيلها، هي إحدى أهم القضايا الخلافية بين الطرفين، الحراك الشعبي وقيادة الجيش، حيث يسعى الطرفين الى التحكم في مسار التغيير، فعلى الرغم من وقوف الجيش إلى جانب الحراك الشعبي ودعم مطالبه في الإطاحة بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة، فإن ترتيبات المرحلة الانتقالية أعادت الشرخ بينهما، لاختلاف الرؤى بين الجيش الذي يصر على تنظيم الانتخابات في وقتها المحدد، باعتبارها الحل الأمثل للخروج من الأزمة، وبين الشارع الذي يصر على التغيير قبل الانتخابات.

ويجمع العارفون بالشأن السياسي في الجزائر على أن إصرار قائد أركان الجيش على تنظيم انتخابات رئاسية في وقتها المعلن، تحت شعار عدم الخروج عن الحل الدستوري، وعدم المغامرة بالبلاد، فإنه في الحقيقة لا يريد المغامرة بمرحلة انتقالية تحرمه من التحدث والتدخل في الشؤون السياسية وتحصره في وظيفته العسكرية فقط، سيما وأن تشكيل أي هيئة سياسية لتسيير المرحلة الانتقالية، ستوقف عمل الحكومة وتفقد نائب وزير الدفاع الوطني منصبه الذي يستمد منه قوته السياسية وهذا الأمر لن يقبل به قايد صالح، وهو ما دفعه برأي المصادر الى تجديد التأكيد على "إجراء الانتخابات الرئاسية"، والدعوة إلى "الإسراع في تشكيل وتنصيب الهيئة المستقلة لتنظيم والإشراف على الانتخابات"، حسب ما ورد في بيان وزارة الدفاع الجزائرية.

لكن المصادر ترى أن قايد صالح قد يضطر الى تعديل استراتيجيته، والقبول بتأجيل الانتخابات الرئاسية، مقابل وجوده في المجلس الانتقالي (حكومة أو مجلس رئاسي)، حتى لا يتصادم مع الشعب ويتهم بالانقلاب على الحراك الشعبي، فالجيش مجبر على حماية مطالب الشعب ومرافقته، التزاماً بالمادة السابعة من الدستور التي تمنح الشعب الجزائري كامل السلطة لتقرير مصير البلاد، وإذا كان من الصعب على الشارع غير الموحد كسب المعركة ضد جيش، الذي لا يزال متحدا خلف خارطة الطريق التي رسمها قائده، إلاّ أن المواجهة غير ممكنة دون إيجاد أرضية مشتركة بين مكونات الشارع المختلفة، ودون تصور لصيغة تسوية مع السلطة التي يشكل قايد صالح أبرز رمزها، بعد أن كسب في مراحل مختلفة، ثقة الشارع وشكل معه تناغما انهى حكم بوتفليقة، وبالتالي فإن القايد صالح لن يقف بوجه الشعب دفاعاً عن رموز النظام السابق، إذا ضمن لنفسه موقعا مرموقاً في النظام القادم، لذا فإن الحل الأمثل الذي سيقبل به الجيش، ويرضي الحراك الشعبي هو تأجيل الانتخابات، والانخراط في مرحلة انتقالية تديرها شخصيات سياسية نظيفة تحظى بشبه إجماع شعبي تتولى التحضير لانتخابات نزيهة وشفافة ينتخب على أساسها رئيساً جديداً يريده الجزائريون.