Advertise here

لبنان داخل الاشتباك الإقليمي وتداعيات للإعتداء على اليونيفيل... "حزب الله" يرفع شروطاً جديدة للتسوية والرئاسة!

19 كانون الأول 2022 07:15:00

يعكس الانسداد السياسي الداخلي تورط لبنان أكثر في الاشتباك الإقليمي المتجدد. العجز عن انجاز الانتخابات الرئاسية من خلال تسوية تفتح الطريق إلى الحل والإنقاذ، يكشف عمق الأزمة حيث ترتد القوى السياسية والطائفية إلى بيئاتها وتقبع في حالة الانتظار لتغيرات إقليمية ودولية وتعديلات في موازين القوى، فيما الاتصالات الخارجية لم تصل إلى نتيجة تؤمن مناخات للحل وتسهل انجاز الاستحقاقات. ولا يبدو أن فرنسا المهتمة بلبنان قادرة على إحداث خرق في الاستحقاق الرئاسي أو إيجاد تسوية، بخلاف ما يراهن عليه البعض من أن يحدث مؤتمر بغداد2 في الأردن المقرر الثلثاء تقدماً على الرغم من المشاركة الإيرانية والسعودية فيه. وتعتبر المشاركة الإيرانية في المؤتمر مهمة بالنسبة إلى الفرنسيين بعد توتر العلاقة بين الطرفين لكن لا يُتوقع أن تظهر نتائج حول لبنان.

تحييد لبنان عن الاشتباك الإقليمي بات مسالة صعبة في ظل التطورات المتسارعة على أكثر من صعيد، ومنها لا يمكن اعتبار الهجوم على آلية الكتيبة الإيرلندية في قوات اليونيفيل في منطقة خارج جنوب الليطاني، حادثاً عرضياً وإن كان "حزب الله" نفى علاقته بهجوم العاقبية، داعياً إلى عدم "إقحامه في الحادثة"، إلا أن الواقع يدحض ذلك بصرف النظر عن المهمات التي تتولاها القوات الدولية العاملة في الجنوب، إذ يتهم أنصار الحزب هذه القوات بالتآمر والتجسس وهي تسعى إلى تغيير قواعد الاشتباك. فالحادث في بيئة "حزب الله" يحمل في شكل غير مباشر رسائل عدة إلى المجتمع الدولي، خصوصاً بعد قرار مجلس الأمن الأخير في نهاية آب الماضي والقاضي بالتجديد للقوات الدولية لسنة إضافية، وإشارته إلى أن هذه القوات لا تحتاج إلى إذن مسبق للقيام بمهماتها، ولها حرية الحركة ضمن مناطق عملها.

في المعلومات أن اللقاءات الفرنسية السعودية حول الملف اللبناني لم تصل إلى نتيجة. السعودية لا تزال على موقفها في الشأن الرئاسي وهي ليست بوارد طرح أسماء محددة، فيما الفرنسيون يريدون انجاز الاستحقاق الرئاسي باي ثمن ولا مشكلة لديهم في الأسماء إذا كانوا قادرين على التفاهم معها. ووفق مصادر سياسية أن السعودية لا تمانع في وصول قائد الجيش جوزف عون إلى موقع الرئاسة، وهو الذي يحظى أيضاً بتأييد فرنسي كان واضحاً في اللقاءات التي أجراها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قطر.

أمام التعقيدات الداخلية لا يتوقع أن تحقق اللقاءات الخارجية أي تقدم في الملف اللبناني. يصطدم التوجه الفرنسي الذي يسعى إلى استقطاب دعم إقليمي بمواقف قوى لبنانية أخرى ذات ارتباطات خارجية، فالدفع نحو الحل يحتاج إلى رافعة أميركية لا يبدو أن واشنطن في صدد توفير مقوماتها الآن، وهي لم تدخل في تفاصيل الأسماء المقترحة للرئاسة. وفي المقابل كان "حزب الله" واضحاً في موقفه الذي أبلغه للقطريين والفرنسيين بأنه لا يوافق على طرح اسم قائد الجيش للرئاسة ويتمسك بسليمان فرنجية. ويبدو أن الإيرانيين ليسوا في وارد تسهيل المبادرة الفرنسية بسبب الخلافات المستجدة بينهما وفي الوقت نفسه توقف المفاوضات النووية وانسداد آفاقها مع واشنطن.

تظهر المشكلة بوضوح أيضاً في الشأن الرئاسي عند "حزب الله" والتيار الوطني الحر. الأول لا يمكن ان يسير بتسوية لا تأخذ بالاعتبار مصالحه ويكون المقرر فيها، انطلاقاً من حسابات إقليمية، علماً أن إعادة تعويم المبادرة الكويتية – الخليجية لا يوافق الحزب عليها ويرفض الالتزام ببنودها وشروطها، فيما التيار العوني يهمه أن يكون حاضراً ومؤثراً في القرار خصوصاً في ما يتعلق بالاستحقاق الرئاسي، ولذا يرفض رئيسه جبران باسيل، كل من جوزف عون وسليمان فرنجية للرئاسة.

انضاج التسوية اللبنانية يحتاج إلى مزيد من الوقت، لكن لا يكفي وفق سياسي متابع وضع الملف اللبناني على الطاولة، فالتسوية تحتاج إلى قوة دفع خارجية غير متوافرة فعلاً اليوم، لكنها يجب أن تتمحور حول المقررين الأميركي والإيراني، فيما الصراع بينهما مفتوح حول كل الملفات. الوقائع الدولية اليوم لا تقدم التسوية اللبنانية كأولوية، ولا تشير إلى انعكاسات إيجابية محتملة على البلد، وإن كانت هناك جهود تُبذل لتحضير أرضية لحل مرحلي لكنه يصطدم بالاصطفافات الداخلية وارتباطاتها الخارجية.

الثابت أن التسوية لم تحن بعد، وهو ما ينعكس توترات في الداخل اللبناني، وإيصال رسائل متعددة. وعلى هذا يبدو "حزب الله" الطرف الأكثر تشدداً في مقاربته للحل، نظراً لمواقع نفوذه ولارتباطه الإقليمي وقدرته على التحكم في العديد من الملفات الداخلية بفائض القوة. لذا تتركز الأنظار حول مواقفه وممارساته السياسية للبناء عليها. فتداعيات الهجوم على اليونيفيل في الجنوب، ستبقى قائمة، وهو ما قد يرفع منسوب الاهتمام بلبنان، خصوصاً وأن الحادث يأتي أيضاً بعد التوقيع على اتفاق الترسيم البحري، وموافقة "حزب الله" عليه واعتباره إنجازاً تاريخياً. ولعل الحزب وفق السياسي المتابع يريد بعث رسائل غير مباشرة لتأكيد الفصل بين الترسيم البحري والبري، وتقييد عمل قوات اليونيفيل من خلال حصر مهماتها على الخطوط العامة من دون الدخول "معاقله". وهو يؤكد من خلال ممارساته أنه المقرر في بيئاته وصاحب الأمر الاخير في الجنوب ويمنع على أي قوة بما فيها الجيش اللبناني مراقبة حركته التي يُدرجها تحت غطاء المقاومة.

يطرح الامر أيضاً موقف الحزب من الاستحقاق الرئاسي والتحرك الدولي تجاهه والعمل الحكومي في لبنان. النقطة الابرز أن الحزب يرفض اي مبادرة دولية من دون البحث معه مسبقاً وهو مستعد للتصعيد إلى ما لا نهاية في مواجهتها، حتى بمواجهة القوات الدولية جنوباً. لذا لا افق الآن لأي مبادرة تضع الملف اللبناني على الطاولة وتحسمه وصولاً إلى إمكان البحث في تطوير النظام، من دون تفاهم دولي إيراني أو أميركي إيراني تحديداً، وهو أمر غير متاح الآن، وما التصعيد الذي يحمل بعداً دولياً إلا مؤشر واضح على ذلك وهو يزيد من مفاقمة المأزق اللبناني.

وفي ما هو متصل بسياسة "حزب الله" فإن منع تحريك الستاتيكو في مناطق نفوذه له اعتبارات محلية وإقليمية، فهو يتعرض لضربات في سوريا ولا يستطيع الرد انطلاقاً من حسابات إيرانية، خصوصاً وأنه بعد اتفاق الترسيم ارتد إلى الداخل ويركز على إيصال رئيس ممانع أو حليف لهذا المحور ويُصر على عدم تقديم تنازلات في ملفات أخرى هو غير جاهز لها بالارتباط مع مرجعيته الإقليمية إيران. ويقول السياسي المتابع أن لبنان يجد نفسه في ظل الفوضى القائمة والعجز عن التسوية بين الفرقاء وعدم القدرة على انجاز الاستحقاقات الدستورية، أمام مرحلة من التصعيد والضغط الدوليين والعقوبات لن يتمكن البلد من تحملها ما لم يسارع إلى معالجة ذيول حوادث تصطدم بالمجتمع الدولي وتنعكس سلباً على أوضاعه وتدخله أكثر في النفق المظلم.