Advertise here

القمّة الأميركيّة - الأفريقيّة: واشنطن دائماً "متأخرة"!

17 كانون الأول 2022 08:24:45

«جاءت متأخرة»، هكذا وصف أحد المحللين السياسيين أعمال القمّة الأميركيّة - الأفريقيّة التي استضافتها واشنطن على مدى 3 أيّام وضمّت الرئيس الأميركي جو بايدن مع 49 من القادة الأفارقة، وهو كان أكبر تجمّع دولي تشهده العاصمة الأميركيّة منذ ما قبل حقبة جائحة «كورونا».

سبق أن عُقدت قمّة يتيمة مماثلة في ولاية الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما سنة 2014 (عندما كان بايدن نفسه نائباً للرئيس)، ولم تتكرّر التجربة في حين واظبت الصين على عقد المنتدى الصيني - الأفريقي كل 3 سنوات بانتظام منذ العام 2000.

لقد أدارت واشنطن ظهرها للقارة السمراء لسنوات طويلة وهو ما سمح بـ»تسلل» العديد من القوى الأخرى، وفي طليعتها الصين، والتمدّد سياسيّاً واقتصاديّاً وثقافيّاً وعسكريّاً في سائر أنحاء القارة. لا يكفي الاعتراف الاعتذاري للرئيس الأميركي عمّا مارسته بلاده بحق المهاجرين الأفارقة الأوائل ووصفه بأنه بمثابة ذنب و»خطيئة» لتجاوز تداعيات الحقبة الماضية.

كما أنه لن يكون سهلاً على قادة دول أفريقيا تجاوز الإساءات الأميركيّة التي عبّر عنها الرئيس السابق دونالد ترامب حين وصف بعض الدول الأفريقيّة بأنها «أوكار قذرة». صحيحٌ أن معظم سياسات بايدن تقف على طرفي نقيض مع سياسات سلفه في السياستين المحلّية والخارجيّة، ولكن الصحيح أيضاً أن ترميم هذه العلاقات سيتطلب أكثر من قمّة فضفاضة وذلك لا يتحقق إلا من خلال الذهاب إلى متابعة ثنائيّة بين واشنطن ودول أفريقيا كل على حدة، وهو ما يتطلب جهوداً سياسيّة كبيرة قد لا تتوفر الامكانيّة أو الوقت لواشنطن لإنجازها.

بصرف النظر عمّا إذا كانت القمّة الأميركيّة - الأفريقيّة معدّة مسبقاً أم لا، إلا أنه لا يمكن إنكار المفاعيل الكبيرة التي ولّدتها قمم الرياض الثلاث على مستوى العلاقات الدوليّة وإعادة خلط الأوراق. وبمعزل عن الاعتبارات أو حتى المصادفات الزمنيّة بأن تستضيف واشنطن قمّة ضخمة كهذه بعد أيام معدودة من القمّة العربيّة - الصينيّة في الرياض والقمّة الخليجيّة - الصينيّة، فإن ذلك يشي حتماً بأن التنافس الأميركي - الصيني آخذ في التصاعد بشكل كبير وعلى مختلف البقع الجغرافيّة حول العالم.

ولكن، في ما يتعلّق بملف العلاقة مع أفريقيا، تبدو الولايات المتحدة متأخرة جداً، إذ يبلغ حجم التجارة الصينيّة مع أفريقيا نحو 400 مليار دولار، بينما لا يتخطى حجم التجارة الثنائيّة بين واشنطن والقارة الأفريقيّة مجتمعة نحو 64 مليار دولار، وهو يُمثّل ما نسبته أقل من 2 في المئة من حجم التجارة العالميّة الأميركيّة. بحسب تقارير البنك الدولي، انخفض حجم التجارة الأميركيّة مع أفريقيا بنسبة 45 في المئة بين عامي 2007 و2017، مقابل نمو حجم التجارة الصينيّة معها بنسبة 22 في المئة!

إنما الأهم من كل الاعتبارات الاقتصاديّة أعلاه هو الخيارات السياسيّة لمعظم دول أفريقيا التي لا ترغب، بغالبيتها الساحقة، بتحويل بلدانها أو الساحة الأفريقيّة عموماً، إلى مساحة لصراعات بالواسطة بين واشنطن وبكين، بما يُمثّل إستعادة مؤلمة لحقبة الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو في مرحلة ما بعد الحرب العالميّة الثانية.

وثمّة مناخات أفريقيّة غير مؤيدة لسياسات واشنطن عموماً وقد عكست نفسها من خلال امتناع 23 دولة أفريقيّة عن تأييد الموقف الغربي الذي تقوده واشنطن ضد موسكو في الجمعيّة العامة للأمم المتحدة على خلفيّة الحرب المندلعة في أوكرانيا منذ أشهر.

في المحصلة النهائيّة، لا يمكن لواشنطن أن تتوقع قلباً للمعادلات بين ليلة وضحاها، لا سيّما في مواجهة اللاعب الصيني الذي يدير علاقاته الخارجيّة وفق سياسة القوة الناعمة (على عكس واشنطن تماماً)، من خلال الانكفاء عن النزاعات العسكريّة المباشرة في عدد من بقاع العالم، ما يتيح له بسط نفوذه من خلال الاقتصاد وتمويل المشاريع والتنمية.

واشنطن دوماً «متأخرة»، وعندما تستعجل، تكون نتائج استعجالها «كارثيّة». تذكروا أفغانستان والعراق!