تتفاعل حادثة اعتداء العاقبية، التي سقط ضحيتها عنصر إيرلندي تابع لقوات اليونيفيل، في وقت ينتظر لبنان فيه التداعيات الدولية لما حصل. الأنظار متّجهة نحو التحقيقات التي ستكون تحت أنظار المجتمع الدولي، والتي لا يُمكن أن تكون على منوال التحقيقات المحلية التي تجري بعد كل جريمة، ولا تصل إلى كشف أي من خيوط الحادثة، فتُطوى الصفحة وتُنسى القضية بالأدراج، لأن الأمم المتحدة وإيرلندا ستتابعان مجريات الملف.
والسؤال الأبرز الذي يدور في أذهان اللبنانيين، حول خلفيات ما حصل، فهل كان مدبّراً أم حادثاً فردياً؟ وهل تقف خلفه جهات سياسية وحزبية تُريد إيصال رسائل للأمم المتحدة والمجتمع الدولي؟ وتفتح هذه التساؤلات الباب على أسئلة مرتبطة بالتدهور الأمني الذي وصلت إليه البلاد في ظل حالة التفلّت القضائي والاجتماعي، وبات القلق من غياب الأمن يُساور جميع اللبنانيين، بعدما غاب عن الجهات المولجة حماية وصون الأمن نفسها.
بالعودة إلى التحقيق، فإن معلومات جريدة "الأنباء" الإلكترونية كانت قد كشفت أن مديرية المخابرات في الجيش اللبناني تتولّى الملف مع القضاء المختص، ولا توقيفات حتى الساعة، بانتظار ما سيستجد في الأيام المقبلة، أما وبالنسبة لما حصل، فهل من خيوط سياسية؟
رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات، العميد الركن الدكتور هشام جابر رأى أن "الحادثة "بنت ساعتها"، وليست مدبّرة"، معتبراً بحسب رأيه أنه "لا كمين أو استدراج لآلية اليونيفيل، كما أن لا رسائل سياسية، وجلّ ما في الأمر إشكال بين عناصر القوّة الدولية والأهالي تطوّر إلى إطلاق نار سقط على إثره قتيل".
لكن جابر، في حديثه لجريدة "الأنباء" الإلكترونية، عاد وشدد على وجوب انتظار نتيجة التحقيقات.
جابر اعتبر أنه "لا مصلحة لحزب الله بمقتل جندي تابع لليونيفيل في المناطق الخاضعة للقرار 1701 برصاصه، إذ ذلك يفتح الباب على وجوده المسلّح في هذه المنطقة، وهو الذي يُحاول إثبات التزامه بالقرار الدولي (الذي يمنع وجود المسلّح جنوب الليطاني) طيلة السنوات السابقة"، مذكّراً بأن معظم اللبنانيين يمتلكون السلاح في المنازل، وأي شخص قد يفعل هذا الأمر.
وبالنسبة للتداعيات المتوقّعة على إثر الحادثة، استبعد جابر حصول تداعيات دولية، لكنه توقّع أن تستثمر بعض القوى في الأمم المتحدة في الاعتداء "للضغط نحو تعديل مهام وصلاحيات الأمم المتحدة، وهذه القوى كانت قد طرحت هذا الملف في وقت سابق".
إلى ذلك، عاد الحديث عن مسارات قوات اليونيفيل الواجب اتباعها، وما إذا كانت القوّة التي تعرّضت للاعتداء قد خرجت عن المسار نحو مناطق لا يُمكنها دخولها. وفي هذا السياق، أكّدت مصادر قانونية لجريدة "الأنباء" الإلكترونية "صلاحية القوات الدولية (اليونيفيل) بالوصول إلى داخل كل المناطق التي تخضع للقرار 1701 وتسيير الدوريات فيها لمراقبة حُسن تنفيذ القرار".
ولفتت المصادر إلى أن كل حديث عن "وجوب سير الآلية على الطرقات الساحلية أو السريعة، وليس الفرعية والداخلية، ليس قانونياً، لأن مهام اليونيفيل لم تُحدّد الطرقات الواجب ارتيادها، بل سمحت باتخاذ جميع الإجراءات الضرورية في مناطق انتشار قواتها وحسبما يقتضيه الوضع في حدود قدراتها، لضمان عدم استخدام مناطق عملياتها لأي أنشطة عدائية من أي نوع كان، وفق بيان المهام، وإن درجت العادة على سلوك الطريق الساحلي السريع (الأوتوستراد) عند التوجّه نحو بيروت".
وبانتظار التحقيقات، فإن حادثة اليونيفيل تفتح الباب على التدهور الأمني الخطير الذي وصلت إليه البلاد، وتؤكّد أن الفوضى باتت سيدة الموقف، وعلى كافة الصعد، ولا حل إلّا بالعودة إلى المؤسسات الدستورية وإنجاز الاستحقاقات حتى يعود الحد الأدنى من الاستقرار السياسي، والذي يستتبعه استقرار اقتصادي، اجتماعي وأمني.