Advertise here

أيّ أبعاد للزيارة التاريخية للرئيس الصيني الى الرياض؟

13 كانون الأول 2022 13:44:11

شكّلت الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس الصيني، شي جينبينغ، إلى المملكة العربية السعودية حدثاً نوعياً يوازي بأهميته وفاعليته استضافة قطر لمباريات مونديال كأس العالم في كرة القدم، لا بل خطفت القمم الثلاث التي أقامتها الرياض على شرف الضيف الكبير الأضواء الإعلامية، لا سيّما الاتفاقيات الثرية التي وُقِّعت بين الرئيس الصيني وولي العهد السعودي، والتي تحمل أهمية استراتيجية.

الزيارة الحدث التي استبقها الرئيس الصيني بمقالة نشرها في جريدة "الرياض" السعودية تحت عنوان "توارث الصداقة الممتدة لآلاف السنين، والعمل سوياً على خلق مستقبل جميل"، والتي ضمّنها سرداً تاريخياً لأبرز محطات العلاقات العربية - الصينية والتي تعود إلى أكثر من ألفَي عام،  تبادل فيها الشعبان ثقافتهما وصناعتهما ومواردهما، والتي دخلت مرحلة جديدة من التطور في العصر الحديث بلغت فيها قيمة التبادل التجاري في عام 2021 ما يوازي 230 مليار دولار. وحيث يسعى الرئيس الصيني إلى تعميق أواصر هذه العلاقة من خلال مبادرة "الحزام والطريق" والتي أطلقها عام 2013، متطلعاً لأن توازي بأهميتها ما كان يُعرف ب "طريق الحرير" قبل نحو 1200 عام. 

كما أنّ المملكة العربية السعودية بقيادتها الشابة أحسنت الاستثمار في هذه الزيارة، ليس بحسن ضيافتها لرئيس ثاني أكبر اقتصاد في العالم فحسب، بل في اعتمادها التقليد الذي كرّسته في استقبالها للرؤساء الأميركيين منذ زيارة الرئيس السابق دونالد ترامب، إن من ناحية تخصيص الزيارة لتوقيع العقود والاتفاقيات الكبيرة، أو للبحث في الاستراتيجيات والأعمال واسعة النطاق، وتحشيد القوى السياسية الفاعلة في الشرق الأوسط، حيث شهدنا إبّان تلك الزيارة مشاركة معظم القادة العرب إضافة إلى حضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وهذا التقليد اتّبعته المملكة أيضا خلال زيارة الرئيس جو بايدن في لحظة مصالحة استثنائية مع الرياض، والتي فرضتها ظروف دولية على واشنطن، حيث تجاوز ولي العهد خلافاته،  وتناسى إساءات بايدن وفريقه له، وجعل من زيارة سيد البيت الأبيض الديمقراطي إلى الرياض زيارةً شرق أوسطية وعربية أظهر فيها مكانة ودور الرياض، وقدرتها الاستقطابية على مستوى الشرق الأوسط والشرق الأدنى، أو "الشرق الأوسط الكبير"، الذي يحلو للإدارة الأميركية تسميته. وبهذا المعنى فإنّ التفخيم المضاعف الذي أغدقته الرياض احتفاءً بالرئيس الصيني حمل المضمون السياسي نفسه من جهة، لكنّه وفي اللحظة التاريخية الراهنة يحمل العديد من الرسائل التي أراد الأمير محمد بن سلمان إيصالها إلى البيت الأبيض ليقول إنّ موقعه ومكانته الفاعلة على المسرح الدولي والإقليمي ليسا صنيعة واشنطن.

من ناحية أخرى، فإنّ وقوع الرياض في نقطة جغرافية تتوسط فيها المسافة بين واشنطن وبكين، وعلى الرغم من قرب مسافة الرياض السياسية والأمنية إلى واشنطن أكثر من بكين، أو أي دولة أخرى، فإنّ  تعظيم الموقف الإيجابي مع بكين هو دفع مقصود من قيادة المملكة العربية السعودية لتكون على درجة من القرب إلى الصين توازي قربها من الولايات المتحدة الأميركية، حيث ثمة جغرافيا سياسية جديدة تتعامل معها المؤسّسة الحاكمة في السعودية بتطوراتها التي شهدنا فيها قفزات نوعية في إدارة الملفات السياسية المعقّدة، إن على المستوى الدولي، أو الإقليمي، أو المحلي بدءاً من رؤية (20 - 30) إلى غيرها من السياسات الاقتصادية الجديدة، كتوطين الصناعات الثقيلة، ومضاعفة الاقتصادات المنتجة غير النفطية، إلى إشهارها مكامن القوة في حركة الصراع من أجل إثبات الوجود. وبالتالي ثمة تطورٌ شديد الأهمية يجب ملاحظته في هذا السياق، وهو التحالف العربي الذي أقامته الرياض مع الإمارات والقاهرة، والذي يقول إنّ الأمور لم تعد تجري كما كانت سابقاً بتلبية رغبات السياسات الغربية، وثمة سياسات مصلحية ذاتية يتم التعامل على أساسها مع مختلف القوى الدولية، سواءً كانت واشنطن، أو بكين، أو موسكو، أو الاتحاد الأوروبي.

في هذا الإطار الاستراتيجي الجديد لتطور السياسات العربية، فإنّ الحرب الروسية على أوكرانيا فتحت ثغرة كبيرة في جدار الهيمنة الأميركية المتشدّدة التي اتّسمت على مدار السنوات السابقة بدرجة عالية من الاستعلاء القومي، وبدرجةٍ عالية من النرجسية، ومن محاولة تطويع الحلفاء قبل الأعداء. فالدعوات المستمرة في واشنطن لمنع صعود قوى منافسة لها على المسرح الدولي، سواءً بكين أو موسكو، وإدارة الملفات الإقليمية بما يرضي مشيئة واشنطن، وهذا ما ظهر في علاقة البيت الأبيض الملتبسة مع طهران، فهي  تشهر العداء للنظام الإيراني في العلن وتبرم معه أوثق الاتفاقيات للتعاون الميداني في السر، سواءً في أفغانستان، أو في العراق، أو في لبنان وسوريا، واليمن.

ومما لا شك فيه أنّ ما قاله وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، إنّ "المملكة العربية السعودية لا تستبدل تحالفها مع الإدارة الأميركية بالتحالف مع الصين، بل تعمل وفق مصالحها الاستراتيجية، حيث تتسع المساحة للعمل مع الجميع". إلّا أنّ الخلافات السعودية – الأميركية التي كانت تديرها إدارة المملكة العربية بصمت، خرج إلى العلن بعد مواقف واشنطن التصعيدية ضد الرياض على خلفية مقررات منظمة (أوبك بلاس)، فالمتابع للإعلام السعودي عبر الفضائيات والصحف ومواقف المعلقين والباحثين المقربين من الديوان الملكي، يتحدثون بصراحة عن العلاقات الوثيقة التي تربط الإدارة الأميركية مع جماعة أنصار الله الحوثي في اليمن، ويتحدثون بالوقائع عن الدور الأميركي في وضع خط أحمر أمام التحالف العربي لمنعه من تحرير  صنعاء، ومنعه من دخول الحديدة الاستراتيجية وطرد الحوثيين منها. كما يكثر الحديث عن الدور الأميركي في صياغة التوازنات اليمنية – اليمنية بما يُبقي السلطة في اليمن ممسوكة من قِبل واشنطن بالتعاون مع لندن بعيداً عن الشرعية اليمنية والمبادرة الخليجية وما طُرح فيها من حلول متوازنة للأزمة اليمنية.
 
في المحصلة، وفي ضوء ما خرجت به القمم  المشتركة مع الرئيس الصيني شي جينبينغ في الرياض، والتي ضمّت 30 دولة ومنظمة عربية ، فإنّ هذه النتائج ليست بعيدة عن السياسات السعودية الجديدة التي تضع القضايا الاقتصادية، ومشاريع التنمية والطاقة النظيفة الخضراء، في أولوية اهتماماتها في إدارة العلاقة والشراكة مع بكين، وهي إدارة ذكية تؤسّس لسياسات ذات أبعاد استراتيجية بعمق اقتصادي بعيدةً عن الإيديولوجيا. فالمتبحّر في مضامين النقاط الـ 24 التي حملها البيان الختامي للقمة الكبرى العربية – الصينية يدرك عمق التحولات التي دخلت فيها المنطقة العربية، وما قد تشهده في المستقبل القريب، وما ينبثق عنها من تشكّل جديد لشرق أوسط منبثق من الرؤية العربية، وليس الشرق الأوسط الذي يخدم الرؤية الإسرائيلية، أو التركية، أو الإيرانية. 

ثمة توازنات جديدة بدأت تتبلور في المنطقة سوف تؤثّر على مختلف الملفات الرئيسية، وعلى الأزمات المشتعلة فيها، سواءً في سوريا، أو العراق، أو لبنان، أو ليبيا، أو اليمن في الدرجة الأولى.