من أصعب الأزمات التي تواجه لبنان، الاختلال القائم على مستوى السلطة القضائية من جوانب متعددة. وقد كانت صرخة نقيب المحامين ناضر كسبار مدوية، عندما أعلن جهارا «أن المحامين يجوعون، ولن نسكت عن جريمة تعطيل المحاكم» وذلك جراء المغامرات المتهورة عند البعض، وبسبب اعتكاف القضاء منذ فترة طويلة عن القيام بمهامهم، بحجة تدني قيمة رواتبهم، ولأن متطلبات العمل بقصور العدل غير متوافرة كما يجب، خصوصا منها الكهرباء واللوازم الإدارية الضرورية.
لكن الأخطر من كل ذلك قيام المدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون بإجراءات غلبت عليها السمة السياسية، ووصفتها قوى متعددة، بأنها انتقامية واستنسابية، أساءت إلى سمعة القضاء، وقد تؤدي إلى خلق اضطرابات او فوضى، لأنها لم تراع القوانين والإجراءات المرعية، وملاحقاتها بمعظمها عبارة عن تشويه سمعة شخصيات سياسية ومالية وفنية على خصام مع عهد الرئيس السابق ميشال عون، ومع صهره النائب جبران باسيل.
ويقول مصدر متابع لكل تفاصيل تحركات عون: إن ضابطا كان مفصولا لحراسة الرئيس ميشال عون، مكلف بمواكبة كل تحركات المدعية العامة، وهو الذي يوجه عملها لخدمة أهداف التيار السياسي الذي ينتمي اليه، ولحرف الأنظار عن المشكلات الأساسية التي سببت الانهيار المالي في لبنان، وأبرز هذه المشكلات، الهدر في ملف الكهرباء الذي تجاوز 47 مليار دولار، وأغرق البلاد في عتمة شاملة، شلت حركة الدولة والمؤسسات، وفريق النائب جبران باسيل يدير هذا القطاع منذ ما يزيد على 12 عاما، من خلال تولي وزارة الطاقة التي تشرف على الملف.
واستغلت القاضية عون فقدان النصاب في الهيئة العامة لمحكمة التمييز على خلفية التحقيق في جريمة تفجير مرفأ بيروت، لتتهرب من المثول أمام المساءلة وكف اليد التي تفرضها القوانين على من يقوم بمثل ما قامت به من تشهير وتحقير وذم وإثارة النعرات الطائفية، والحض على النزاع بين عناصر الأمة، وفق الجرائم التي نسبها لها رئيس مجلس النواب نبيه بري وزوجته في الشكوى المقدمة ضد القاضية عون أمام مدعي عام التمييز غسان عويدات، والذي ادعى عليها أما محكمة التمييز، بالجرائم المذكورة أعلاه.
وهناك عشرات الدعاوى التي أقيمت ضد القاضية عون، لاسيما من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ومن ميريام جوزيف سكاف، على خلفية المنشورات الإعلامية التي عمّمتها عون ضدهم على مواقع التواصل الاجتماعي، كما على فتح ملفات كيدية تستند الى تقارير صحافية موجهة تستهدف تشويه السمعة، مستغلة موقعها القضائي المتقدم ـ كما جاء في الشكاوى ـ لتحقيق مآرب سياسية واضحة الأهداف. وما حصل مؤخرا مع الفنانة ستيفاني صليبا التي تعرضت للتوقيف والملاحقة على خلفية صلاتها بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، آثار امتعاضا لدى الرأي العام، خصوصا بعد أن أطلق سراحها من دون أن تثبت عليها أية ارتكابات.
مجلس القضاء الأعلى وعد بالشروع بمعالجة الاختلالات التي تجاوزت كل الحدود، وأهمها موضوع اعتكاف القضاة الذي أصبح يهدد الانتظام العام ومصير الدولة برمتها. والتحرك الذي قامت به نقابة المحامين تجاه وزير العدل هنري خوري، وفي تأمينها لبعض مستلزمات قصور العدل، حصل على خلفية خوف النقابة من تفلت الأوضاع جراء توقف مسار العدالة من جهة، وانحراف بعض الملاحقات الكيدية عن الطريق الصحيح من جهة ثانية.
في الدعاوى المقدمة ضد القاضية عون اتهامات لها بالخروج عن موجب التحفظ، وقيامها بالتشهير الإعلامي وتسريب معلومات عن تحقيقات سرية، وأنها تلعب «بالصولد» وحرقت مراكب العودة، وهي تتصرف كأنها جزء من فريق سياسي يهدد بتعميم الفوضى وإثارة النعرات وتعريض وحدة الأمة للخطر.
لكن المعطيات تؤكد أن هذه التوجهات ستفشل، والتوافق الداخلي والخارجي قائم على استمرار وحدة الدولة، بصرف النظر عن حجم الأزمات التي يعيشها لبنان.