Advertise here

استهداف قَسَم جبران: الإمعان في الاغتيال

12 كانون الأول 2022 07:30:00

لا حاجة إلى السؤال عام 2022 "من قتل جبران تويني؟" بعدما استنفد المجرم كلّ أساليب التخفي وخرج عن طوره. وعندما كشف القاتل عن وجهه لم يظهر للعيان أنه شخص... هذا المرتكب ذاته يحاول إحراق وصية صاحبها، بعدما أوقد النيران في شخصه. يضيء مراقبون على أن جبران تويني سمّاه بالإسم، عندما توجّه إليه بإسم الشعب اللبناني: "جئتم لتقولوا لكلّ الأجهزة أنكم شعب واحد موحّد".

ما بعد 14 آذار 2005، بقي النظام الأمني على حاله ليُكمل الإمعان في الاغتيال. وما بين ابتداعه يهوذا مقابل ثلاثين قطعة من فضّة، وصناعته داعشياً لمحاولة تحجيم مكوّن لبناني، لم تخفت محاولات تفرقة "المسلمين والمسيحيين" التي يصفّق لها الرعاع. أساليب يُراد منها تجزئة القَسَم وتشتيت صداه. فهل بدأت تتضح مفاعيل اغتيال جبران تويني أكثر؟ وكيف للدولة القاتلة أن تأخذ حقّ القتيل؟

يقرأ وزير العدل السابق النائب أشرف ريفي لـ"النهار" أن "المناداة بالوحدة الوطنية عدوّ للمشروع الآخر الفئوي الاقليمي الذي لا يستطيع أن يحكم من دون تفرقة. دفع جبران تويني ثمن مواقفه وقسمه ونداءاته للوحدة. ويجب اقتلاع النظام الأمني للدولة العميقة أي الدويلة العميقة، لأن ما يحصل أشبه باستعمار مع دمى متعطشة للسلطة والمال تكافَأ بمفاسد ومناصب مقابل استخدامها كغطاء ورداء. لا تبرّر تربيتنا كعسكريين وجود سلاح غير شرعي أو عدم محاسبة المجرمين، إلا اذا كانت الدويلة صارت أقوى من الأجهزة الأمنية الوطنية من خلال دمى الدولة، التي بكل أسف ضُعف أجهزتها سببه الطبقة السياسية". 

ويلفت ريفي إلى أن "ما من دولة مجرمة استمرت فترة طويلة، والمشكلة أن من يستعيد نموذج الدولة المجرمة يرى أن هيمنتها استمرت فترة معينة لكنه لا يقرأ كيف انتهت الهيمنة سحقاً. الدولة العميقة في لبنان اليوم متمثلة بدويلة "حزب الله" المسيطرة على النظام الأمني، إلا أنه في الدول التي تحترم نفسها، تتولى أجهزة المخابرات الرسمية فيها إدارة الدولة العميقة. وهناك جهاز أمني وحيد تقريباً في لبنان قارع "الحزب" عام 2005 ولم يسمح له باختراقه"، مضيفاً أن "حزب الله لا يستيقظ أو يدرك أن أسلوبه قصير النظر وقوّته ليست دائمة للتقدم على الآخرين. ولم يسبق أحد أن اعتمد الأسلوب الذي أظهره بوقاحة في تقديس القتلة، بعدما ثبت في المحكمة الدولية أن له دور في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري".

"نقسم بالله العظيم مسلمين ومسيحيين أن نبقى موحَّدين". اهتزاز صدى قسم ما بعد الاغتيال، بدأ يستشعره النائب السابق مصطفى علوش "منذ 2008 وهجوم "حزب الله" على بيروت. يومذاك بدأت تهتزّ الوحدة الاسلامية المسيحية المتجلية، بعدما انتقلت كلّ مجموعة طائفية للتطلع إلى مصلحتها الخاصة بمفردها. ورغم الحاجة الماسة إلى استعادة الوحدة بين المكونات اللبنانية راهناً، لكن ذلك لا يبدو مطروحاً بعدما تقوقعت المذاهب على ذاتها لتطرح جديداً بنفسها، في وقت يسيطر الحزب الغالب على مفاصل القرار"، مشيراً لـ"النهار" إلى أنه "لا حاجة إلى أجهزة أمنية لتفرقة الناس باعتبار أن التاريخ وأنماط العيش تؤدي بالبعض للعودة الفورية إلى طبيعة القبائل، لكن لا يلغي ذلك أن القبضة الأمنية نفسها على البلاد مستمرّة ما بعد مرحلة 2005 كما قبلها، بدءاً من إدارة الاقتصاد والمجتمع بالأمن وصولاً إلى التفجيرات المتنقلة والمظاهر الأمنية". ويستنتج علوش أن "قسم جبران أتى في لحظة تاريخية مناسبة لكن عندما اشتدت الأزمات بات كلّ مكون يبحث عن حماية نفسه، فيما يتوجب على المجموعات اللبنانية أن تفهم بأن مصلحتها المشتركة تكمن في القسم. أما من يستفرد في الخيارات فلن ينجو وحده لأن المصلحتين الفردية والعامة تقتضيان الوحدة ضماناً للسيادة والوصول إلى وحدة السلاح بإمرة الدولة".

"دفاعاً عن لبنان العظيم"... هل المسار الانهياري للبلاد يبقي قدرة للدفاع عنها؟ يجيب عضو "لقاء قرنة شهوان" سابقاً سمير عبد الملك "النهار" أنه و"بحسب ما عايشته مع جبران كان يدافع عن العيش المشترك ولبنان الرسالة وفق قول البابا يوحنا بولس الثاني، وهذه الصورة للبنان الذي استشهد من أجله كنموذج الانسانية، في وقت هناك مخطط لإلغاء وجود الدولة الديموقراطية والتعددية في المنطقة وسط نماذج أنظمة ديكتاتورية بمسميات مختلفة يحاط لبنان بها". ويوضح عبد الملك أنه "لهذا السبب أرادوا ضرب النموذج اللبناني الذي يشكل استثناءً، في وقت يساهم الخطاب السياسي الراهن في ضرب هذا النموذج الذي تآمرت عليه الانظمة التوتاليتارية لأن المستهدف كان دور لبنان وضرب المدافعين عن الدور الحضاري. ورغم كل ما استجد وصولاً الى انفجار 4 آب الذي دمّر بيروت، بقيت فكرة صيغة لبنان ودوره الأساس المعترف به دولياً، بما يجعله يبقى محط أنظار واهتمام عالميين للتأكيد على العيش المشترك رغم ما أصابه".

النظام الأمني والتفرقة الطائفية واستشراء الفساد، الداء الذي تصوّره وصية القسم للتصدي له. هل من باستطاعته "تفكيك هذه المعادلة" للبحث عن حلول؟ يسرد الناشط السياسي علي مراد لـ"النهار" أن "ظاهرة الفساد ليست لبنانية فحسب، وهي تأخذ أشكالاً مختلفة مرتبطة بالبنية الاجتماعية عندما يكون هناك بنية تحمي الفساد وتستفيد منه. لكن مستويات الفساد التي شهدتها البلاد مؤخرا في لبنان مرتبطة بشكل أساسي بأنها تحمي نفسها بالطائفية، في وقت تحمي نفسها في دول أخرى بالعسكر أو القبلية. أما في لبنان فإن الطائفية هي الأساس في حماية الفساد بالادارة العامة حيث يتحول المس بأي موظف فاسد الى تعرّض للطائفة والمسألة وصلت الى درجات غير مسبوقة". ولا يشكّ مراد بأن "الوحدة التي دعا اليها جبران تويني في قسمه تتناقض مع جوهر الممارسة الموجودة بلبنان. وهناك خوف من التعبئة الطائفية طالما القضية الاقتصادية والاجتماعية باتت عنواناً للفرز السياسي في البلاد. وإذا كانت قدرة السياسيين قد تنجح في لحظات معينة بإخفاء مسؤولية النظام السياسي والأداء في إفقار اللبنانيين من خلال اللجوء إلى التعبئة الخطابية الطائفية، لكنها غير قادرة على نسف قضية محاربة الفساد كعنوان المواجهة في البلاد. وتالياً، التفرقة قد تنجح في لحظات لكنها غير قادرة على إصابة السردية بمقتل".