أدى انفجار الازمة التي ضربت لبنان منذ نحو اربع سنوات بما خلّفت من تداعيات في واقع سياسي منقسم على نفسه، تيارات وطوائف ومذاهب الى تشظي مجمل القطاعات والمؤسسات بنسب متفاوتة، واجه بعضها باللحم الحيّ، فيما تهاوى البعض الآخر واندثر تحت وطأة الضربات المتتالية.
الازمة في ذاتها، قد تسجل في اي دولة، لكنها تتخذ ابعادا مختلفة في بلد تتعدد فيه وتتناحر المرجعيات السياسية وتتداخل الصلاحيات، وتتوزع المؤسسات الامنية ولاءات على القوى السياسية ،على تلاوينها. وحدها المؤسسة العسكرية المُلقاة على عاتقها كل مهام الامن في البلاد، فيما يكمن دورها الفعلي في حماية الحدود، خرجت، او تكاد من تحت الانقاض منتفضة على واقع شديد الخطورة وضعتها فيه منظومة سياسية من خلال افتعال مشاكل يومية سياسيا وامنيا واجتماعيا واداريا، يحتاج حلها من دون ريب الى معالجة جذرية بعيدة من الطرق التقليدية المتبعة في السياسة اللبنانية.
نجح قائد الجيش العماد جوزف عون، من خلال حركته المكوكية بين الدول وشبكة اتصالاته العنكبوتية، وهو لم يترك بابا لم يقرعه، في تمرير اعتى ازمة ضربت المؤسسة في الصميم على الاطلاق، بمأكل ومشرب وطبابة العسكريين. شغّل محركاته في مختلف الاتجاهات، فأمن كماً من المساعدات المادية والغذائية والطبية والعسكرية وقدم تسهيلات واسعة تتواءم وطبيعة المرحلة، أبقت الجيش صامدا وعناصره ملتفة حوله، على رغم تسجيل بعض الاستثناءات، ممن غادروا البلاد بحثا عن ظروف افضل، من ضمن موجة هجرة واسعة لفت جغرافية لبنان عموما.
يستعد القائد قريبا لزيارة تقوده الى قطر، لم يحدد زمانها بعد، الا انها تهدف الى تأمين المزيد من الدعم والمساعدات للجيش كون الهبة الاخيرة شارفت على نهايتها،
وتقول اوساط امنية لـ"المركزية" ان ثمة مساعدات مرتقبة من دول اخرى ستصل قريبا من شأنها تدعيم عناصر المؤسسة من دول عربية واوروبية، فيما تسلّم الولايات المتحدة الاميركية قريبا، ثلاث خافرات سواحل ستسهم في شكل واسع في انجاز مهمة الحماية الامنية لعملية التنقيب عن النفط، التي ستتولاها الافواج البحرية في الجيش ايضا .
الامن في الداخل ممسوك، تتابع الاوساط وعمليات السرقة والنهب والتعدي على الاملاك العامة، لا سيما شبكات الكهرباء تتابع ويتم توقيف معظم مرتكبيها، مشيرة الى ان النزوح السوري يشكل عبئا ضخما على الامن نتيجة الظروف البالغة الصعوبة التي يعيش في ظلها هؤلاء. ومع ان المؤسسة العسكرية لا تراعي مجرما، ايا كانت هويته وتعامل الجميع سواسية بموجب القانون، الا ان الامال معقودة
على ايجاد حل قريب لوضعهم فلا يتحولون الى ضيوف دائمين على غرار اللاجئين الفلسطينيين، موضحة ان قناعة غربية بدأت تتولّد لدى بعض الدول لا سيما الاوروبية منها كإيطاليا وفرنسا، بوجوب ارساء حل جذري يعيد النازحين السوريين الى بلدهم، لان الاستقرار المطلوب دوليا للساحة اللبنانية يوجب ازالة هذا العبء عن كاهله.
لا تؤيد الاوساط الامنية فكرة الامن الذاتي المنتشرة في بعض المناطق والا تحولت الدولة الى دويلات، وتعتبر ان حماية القرى والبلدات من موجات السرقة المتفشية من مهام البلديات، الا انها تؤكد ان بعض الحالات المعممة في مناطق معينة لا سيما في العاصمة مشروعة، خصوصا ان من يتولاها هي شركات امن مرخصة من الدولة، يقتصر حضورها امام بعض الشركات والمصارف، وليس ظهورا ميليشياويا مسلحا على غرار ما يظهره بعض الاعلام بغرض التضخيم والتهويل.
مصدر خوف وحيد يبقى قائما، لا تخفيه الاوساط الامنية يتصل بتفاقم الاوضاع الاجتماعية، أمام الاندفاعات النارية غير المرتدة للدولار، وكأنها اما استعصت على الفرملة واما لم تعد تجد من يخفف اندفاعاتها، وما قد ينتج عنها راسما علامات استفهام خطيرة حيال المستقبل القريب، وما قد ينتظر لبنان من تطورات استثنائية لم يعد خطر اهتزاز الامن بقوة بعيدا عنها، لا سيما اذا استمر لهيب الدولار يحرق جيوب اللبنانيين ويستدرج وراءه اسوأ مما قد يؤدي اليه الانهيار السياسي. فهل ترتدع السلطة الحاكمة وتتعظ فتسارع الى انتخاب رئيس جمهورية وتشكيل حكومة وتنفيذ الاصلاحات المطلوبة من صندوق النقد الدولي قبل فوات الاوان؟