Advertise here

كمال جنبلاط في الذكرى الميمونة لمولده

06 كانون الأول 2022 18:31:42

كان المعلم الشهيد يصف نفسه دائما بـ"المثالي الواقعي" مستعيرا تعبيرا من المهاتما غاندي الذي جمع بين قوة روحية جعلته معلما للأجيال الهندية بل للبشرية، وبين النضال السياسي الذي جعل منه زعيما لحركة الاستقلال عن الإمبراطورية البريطانية ومؤسس الدولة الهندية الحديثة.

وقد نسج كمال جنبلاط في لبنان على نهج المثالية الواقعية عندما أطلق، وهو سليل الإمارة الجنبلاطية، الحزب التقدمي الاشتراكي. ودعا إلى مجتمع يحترم المنتجين من العمال والمزارعين ويهتم بتعليم الأجيال ويحقق المساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين، ويخرج اللبنانيين من واقع التبعيات الطائفية والخوف المتبادل إلى صيغة الوطن الديمقراطي الواحد ويخرج النظام السياسي من تقاليد الفساد والمحسوبية إلى الدولة المدنية الحديثة دولة القانون ودولة الخدمات والكفاءة.

وكان أيضاً يؤمن بأسلوب الإصلاح السلمي ويرفض العنف والثورة العنيفة التي كانت تدعو إليها بعض الأحزاب فكان شعاره Evolution not revolution أي تطور سلمي لا ثورة عنيفة.. وكان معجباً بتجربة التطور البريطاني من الملكية المطلقة ?لى نظام ديمقراطي برلماني.

وفي لبنان الذي كان من بين عدد من الأنظمة البرلمانية التي نشأت في المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى وتفكيك الدولة العثمانية، كان كمال جنبلاط يؤمن بالنظام البرلماني (على علاته كما كان يقول)، وهو لذلك أعلن إيمانه بالعمل الحزبي والنقابي وبالصحافة الحرة كأدوات أساسية لتطوير النظام . لكنه ومع تردي الديمقراطية البرلمانية إلى هيمنة فئوية وإلى شركة فساد وفاسدين لم يتردد في اعلان المقاومة للنظام، وقاد أول ثورة سلمية لإسقاط الرئيس بشارة الخوري وهو عاد إلى الثورة المسلحة عندما جنح الرئيس كميل شمعون إلى تعطيل اللعبة الديمقراطية وتزوير إرادة الشعب والتفريط بسيادة البلد عبر الأحلاف الأجنبية.

وهو اغتنم فرصة انتخاب الرئيس الإصلاحي اللواء فؤاد شهاب رئيساً ليلعب دوراً مهماً في الإصلاحات الشهابية التاريخية التي جعلت لبنان (لفترة لم تدوم مع الاسف) أكثر البلدان تقدما وازدهارها في منطقة الشرق الأوسط.

 ومع اندلاع الحرب الأهلية سنة 1975 نتيجة لاحتدام الصراع الطائفي وكذلك لمضاعفات الوجود الفلسطيني في لبنان أطلق المعلم الشهيد حرباً أراد أن تكون خاتمة لكل الحروب وبداية للمجتمع المدني اللاطائفي فكانت محاولته الجريئة (عبر البرنامج المرحلي) لإدخال إصلاحات شاملة على النظام السياسي خطوة جبارة كان يمكن أن تؤسس للبنان ديمقراطي مدني مزدهر لولا أن رفضت قوى الرجعية اللبنانية والطائفية المتحكمة المشروع وتامرت لإسقاطه بالتحالف مع أعتى الديكتاتوريات في المنطقة.

على مدى حياته السياسية التي امتدت 40 عاماً أدى كمال جنبلاط قسطه من النضال الوطني والتقدمي والعربي كاملا واستشهد في سبيل تحقيق مشروع "مواطن حر وشعب سعيد" الذي كان شعار الحزب التقدمي الذي أسسه، وهو مضى إلى عالم الخلود وبقي الحزب التقدمي الإشتراكي على خطه النضالي بقيادة وليد جنبلاط ولا زال النضال مستمراً مع تيمور جنبلاط ولا زال المعلم هو المعلم وهو المثال الحي الذي عجزت يد الغدر عن أن تخمد صوته المدوي وحضوره المضيء في العقول والقلوب ولا زال الشعار الخالد الذي يظللنا جميعا: "سيبقى فينا وينتصر".

(*) رئيس تحرير جريدة "الأنباء" سابقاً