في ذكرى ميلاد المعلم الشهيد كمال جنبلاط، نتساءل: أين نحن من الديمقراطية الآن؟ وهل ما زال العقل العربي نائماً في سبات عميق، لا سيما لجهة التنكر للحرية، الديمقراطية، والعيش المشترك؟
وهل ما زال تائهاً في غياهب الظلام، لا علاقة له بالتاريخ السياسي، وبالفلسفة النقدية، المتزاوجين مع مشروع المعلم تحت عناوين متعدِّدة، مُتجسدة في ضمير الاحرار في كل مكان، ترافقًا مع هذا التكامل بين الحريات، والحماية الاجتماعية، وصولاً الىى التزاوج بين نضاله الوطني والقومي، على كل الأصعدة والمستويات..
فإذا كان الانسان العربي حتى اللحظة، لا يزال يدور في فلك العبودية، والجهلانية، فإن ذلك مردُّه الى ما توارثه، وإلى هذا البرنامج التعليمي العفن، المزور للتاريخ والحقائق، والى ما تأثر به من أفكار استوردت، لا علاقة لها بأي نوع من انواع الديمقراطيات، النموذجية.
واذا ما اسْهبنا الكلام، ولو قليلاً عن الديمقراطية برأي المعلم، نرى انها منهل ومصدر، ترتكز على العقلانية، وعلى أنسنة الانسان، بعيداً عن التسلط و"الديماغوجية".
وعلى هذا، فإن مشروعه يستند الى مبدأين: قوّة الجماهير المتعطّشة الى الحرية، وإلى قانون حازم يكون فيه الجميع سواسية، لا فوارق ولا تمييز فيه.
فما احوجنا اليوم، الى خطابه السياسي، والى عمق نضاله السياسي، في ظل ما هو قائم من تردّي، ومن فوضى، وطائفية ادّت الى تشظي المجتمع اللبناني والعربي، وإلى هذا الجلْد الاجتماعي..
هنا، ادرك المعلم مدى مخاطر الطائفية علّة العلل ومشكلة المشاكل، فراح يعالج هذا الداء الدّفين، بطريقته القائمة على وحدة التنوع.. ولتحقيق ذلك، اكدّ: ان الديمقراطية الصحيحة،
هي الديمقراطية المتكاملة: سياسياً، واقتصادياً، واجتماعياً..
بهذا الاتحاد، تكون الديمقراطية متطورة ومتجدّدة.
وهنا، لا يتردّد المعلم في أفكاره العقلانية، واختباراته مدى العوائق بين العلمانية المشوّهة، التي سوّق لها الحاقدون والرافضون، وبين الديمقراطية العلمانية، والتي لو طبقت بعض من منطقها لما وصلنا الى ما وصلنا اليه الى ما قبل عصور الصفيح.
هذا هو المعلم، الذي لم يستكن يوماً، ولم يهدأ يوماً من اجل تغيير الذهنية القابعة في رؤوس الطائفيين، محارباً الصنميين، رافعاً شعار الحرية عنواناً. حرية متكاملة، لا يشوبها انفصام، ولا تجزئة تعتريها.
وبهذا كذلك، كانت عروبته، صافية، تقدمية، تحررية، فكانت جزءاً لا يتجزأ من مبادئه الديمقراطية.
وبهذا المعنى، كان ايمانه بالوحدة العربية، تماماً، كما كان ايماناً بالوحدة الوطنية اللبنانية، معتمداً مبدأ الديمقراطية اللامركزية...
السؤال الذي ما زال يدور في خَلَد من يتساءل: أين اصبحنا نتيجة فشل التعريب في لبنان، بعيداً عن ديمقراطية المعلم المتكاملة.. وهل أصبحت العلمانية في خبر كان امام هذا التمذهب القابع في رؤوس أعداء العلمانية؟
واذا كان البعض لم يدرك مغزى نضاله، وفق نظرته للوجود، ولمجتمع سعيد في اطار برنامج إصلاحي، فإن ذلك يعني أكثر ما يعني، أنهم أعجز من أن يماشوا المعلم في تطلعاته ورؤياه، البعيدة المدى والأفق..
إننا اليوم بأمسّ الحاجة، الى ديمقراطية المعلم المتكاملة، لا سيما منها الاجتماعية التي تزاوج بين قيم الحرية، والدين، وبين ما هو مثالي، وواقعي، وروحي، وسياسي.. فمن ينقذ لبنان سوى المعلم وامثاله من المحن والفتن، ومن رياح سود تعصف به، وتكاد تقضي عليه.