Advertise here

كمال جنبلاط والتسوية

06 كانون الأول 2022 10:30:15 - آخر تحديث: 06 كانون الأول 2022 11:39:23

في كتاب "ربع قرن من النضال" الذي وثّق تجربة الحزب التقدمي الاشتراكي على مدى خمسة وعشرين عاماً كتب المعلم الشهيد كمال جنبلاط " ملاحظات وتأملات واستنتاجات "وأوجز بالإجمال" بعض العبر والقواعد والمقاييس وبعض مناهج الخطة التي تحرك من خلالها الحزب في تأريخ نضاله الطويل". المداخلة شاملة مفصّلة مهمة لكل من يريد أن يتعلّم ويستفيد من خبرة وحكمة وتجربة وصفاء قامة بحجم المعلّم ، لكن أبرز ما فيها البند الذي يحمل عنوان: " أخطاء وعبر " تحدث فيه بشجاعة سياسية استثنائية وأمانة أخلاقية ومسؤولية حزبية ووطنية وموضوعية استندت الى " وظيفة العقل في خلق المعايير ومن أنكر هذه الوظيفة أنكر في الحقيقة وجود العقل" ... 
ومن أبرز " الأخطاء والعبر" : 
- خطأ الاندفاع بالمصلحة الحزبية دون تقدير الظروف والأهداف السياسية الرئيسية .
- خطأ تقدير طاقة الشعب .
- خطأ تقدير طاقة الناس على الصمود أو الدور الزمني للمعارضة. 
- خطأ تصوّر تكرّر الحدث بالشكل ذاته. 
- خطأ التوجّه بالطموح وهوى التحريك والظهور. 
- خطأ الانفعال الشخصي والحزبي . 
- خطأ تجسيم دور الحزب قد يؤدي الى سوء التقدير . 
وفي سياق شرحه التفصيلي لهذه الأخطاء والاستنتاجات والعبر يتوقف كمال جنبلاط عند التسوية ويردّد ما كان يقوله المهاتما غاندي:  "علّمني حب الحقيقة جمال التسوية ". معتبراً: " ... في كل حديث مع الآخرين تسوية . وفي كل حوار تسوية . وفي كل تعايش مع عائلتنا أو مع أفراد بلدتنا أو مع مواطنينا بشكل عام تسوية . فالذي خرج عن التسوية خرج عن عقد الجماعة ". 
كثيرون ذهبوا الى اعتبار التسوية وكأنها تسليم بأمر واقــع ما. أو إنهزام . أو إستسلام . أو خروج عن الثوابت والمبادئ ، فوقعوا في الأخطاء التي أشار إليها المعلّم ولم يستخلصوا العبر ويمكن القول : لا يريدون الاعتراف بخطأ والتعلّم من التجارب واستخلاص الدروس . أما كمال جنبلاط ، وانطلاقاً مما أشار إليه من أخطاء ارتكبت وعبر استخلصت ، إستمر ينادي بالتسوية وجمالها المبنية على حب الحقيقة – يعني على الوقائع - مؤكداً أنها " تكون لغايات ثلاث في مفهومنا المبدئي والحزبي".
- إما لتأخير التحرّك في مواجهة الخصم ، في رغبة الاستعداد . 
- وإما لإراحة الناس ردحاً من الزمن . 
- وإما لكسب بعض ما يمكن كسبه واعتباره ربحاً ولو جزئياً بالنسبة للشعب المناضل في منطق استنساب الظروف للوصول الى بعض الأهداف " . 

ويضيف:  "يجب ألا تكون التسوية على حساب المبدأ ويجب ألا نعدل عنها ولو قامت علينا مؤقتاً ولو لفترة قصيرة أو طويلة نقمة واعتراض قلة أو كثرة من الناس". منطلقاً من تفسيره للحياة السياسية: ".. كلها مسرحية. فمن لا يتقن فنون العرض والإخراج لا يصلح لمهنة السياسة . على المخرج ، أي القائد السياسي، أن يفطن دوماً أن المادة البشرية ليست في يده مطواعاً وأنه لا بدّ من حدوث خلل ، أو إرتداد الى التقليد والعادة ...حتى البطولة قد يأتي يوم يأنفها الناس ويتحوّلون عنها كالأولاد الذين يحطمون لعبهم".
منذ ذلك اليوم وحتى يومنا هذا ، مرّت بلادنا بأزمات ومحن وحروب كارثية مدمرة . تُعلّم تجاربها السياسيين والعاملين والمياومين في السياسة، إذا أرادوا أن يتعلموا منها ومن نتائجها  وتقييم ما ارتكب فيها من أخطاء وما تمّ استخلاصه من عبر ، وقد تعلّم منها غير اللبنانيين وكتبوا عنها وفيها. 
قال كثيرون منهم: "لبنان مدرسة تُعلّم " . أما اللبنانيون باستثناء قلة قليلة جداً منهم، فينطبق عليهم القول : " لبنان يُعلّم ، اللبنانيون لا يتعلمون" . وهذا ما نراه اليوم عندما يندفع كثيرون ضد الحوار ، وضد التسوية ولبنان ينهار، ولا يقدّرون الظروف والوقائع السياسية وتحركهم أهواء الطموح الشخصي، ويصبحون أسرى المواقف والشعبويات والإلتزامات المبنية عليها ويميّزها سوء التقدير وسوء التدبير . وهذا ما يمنع انتخاب رئيس جمهورية ويدفع أكثر نحو الفراغ ولا نرى مبادرة جدية للخروج من المأزق، ونسمع أصواتاً في العالم من هنا وهناك تحذّر من زوال الكيان !! 
الحديث يطول . أكتفي بالدعوة الى العودة الى كمال جنبلاط وتجربته وخبرته وشجاعته وحكمته والتزامه التسوية التي لا تكون على حساب المبدأ بل في سياق رغبة الاستعداد في مواجهة الخصم والتي لا يجب أن نعدل عنها، والاصغاء الى صوت العقل والحكمة الذي يطلقه وليد جنبلاط على هذه القاعدة وهو الخبير، المحنّك، المحترف، الواقعي والمميّز أيضاً بشجاعة اعترافه بالخطأ، والأهم باستخلاص الدروس والعبر منه .. 
لا قيامة للبلد إلا بالتسوية فليقم اللبنانيون بها بقناعة وشجاعة قبل فوات الأوان..