Advertise here

سلفة تنفس إصطناعي للقضاة بإنتظار الفرج: هل شبح تنامي جريمة القتل نذير غياب دولة المؤسسات؟

05 كانون الأول 2022 07:30:00

كتبت كلوديت سركيس في "النهار":

محاولة جديدة من السلطة لوضع رواتب القضاة على التنفس الإصطناعي لستة أشهر جديدة عبر سلفة لصندوق تعاضد القضاة ، وتمديد مفعول السلفة السابقة 35 مليار ليرة التي إنتهت في آخر ايلول. والسعي الى هذا التمديد هو سقف مقبول قياسا" على الوضع الإقتصادي والمالي المأزومين ولعل الحرصاء على الدولة بدأوا يشعرون بمدى تأثير غياب السلطة القضائية ،السلطة الثالثة في البلاد، وأنها الركن الأساسي في بنية الدولة ولاسيما مع تنامي جرائم القتل الفردية وآخرها ثلاث جرائم قتل فردية في أسبوع وتصاعد عمليات السرقة التي تنذر بخطر آت رغم كل الجهود التي تبذلها قوى الأمن الداخلي بتعقب المجرمين وترافقها مع حملة توقيفات بالجملة . ولا يمكن إسقاط مفعول إهمال المسؤولين في الدولة على تنامي هذا التفلت وصم آذانهم عن أسباب إعتكاف القضاة غير الشامل الذين دخلوا الشهر الرابع في دوامته والتوقف عن العمل الذي يطمئن المجرمون بأن حبل العدالة شبه مشلول.

لم يفت الوقت بعد لقبض القضاة رواتبهم عن شهر تشرين الاول الماضي بعد ثلاثة شهور تقاضوا خلالها معاشاتهم عبر شيكات مصرفية بالدولار راوحت بين 500 دولار و700 دولار وبلغت حدا" أقصى 1200 بحسب تراتبية الدرجات القضائية ، ولعل ركني القضاء رئيس مجلس القضاء الأعلى والنائب العام التمييزي ، لشغور مركز الركن الثالث رئيس هيئة التفتيش القضائي بتقاعد القاضي بركان سعد قبل أشهر، هو السقف الأعلى لهذه الرواتب الذي يقارب 1200 دولار .

والامر الغريب ان الدولة تدبرت امر رفع رواتب موظفي القطاع العام في موازنة 2022 بزيادته ثلاثة أضعاف، فيما غضت الطرف عن معالجة رواتب شريحة القضاة التي تمثل 550 قاضيا" تقريبا"، رغم ان هذه الشريحة محسوبة على موظفي هذا القطاع. وفي الحال ان مقاطعة القضاة للجلسات لم تكن شاملة إذ بقي معظم القضاة يؤمنون سير العمل بحده الأدنى لجهة الضروري منه والملح شأن الموقوفين والنفقات ومراعاة المهل. وتقول مصادر قضائية ان القاضي لم يعتكف عن القضايا الملحة مهما إشتد تضييق الخناق المادي حول عنقه لأنه مؤتمن على مصالح الناس وحياتهم وأموالهم وإن يحصل بعض التلكؤ إنما لظرف قسري. ففي حال تمكن القاضي من تزويد عربته بالوقود يصل الى المحكمة ليجد غياب الكهرباء والتدفئة والقرطاسية وإن أمن هذه القرطاسية على نفقته فإن تراكم القمامة وغياب الماء ينتظرانه على الباب. يدرك أهل البيت ان ثمة قضاة لم يستطيعوا تأمين الوقود لسياراتهم. ولهذا الدرك وصل المطاف بالدولة التي لم تؤمن حتى القرطاسية للقاضي ولاسيما اوراق الهامش لبناء محاضر التحقيق عليها. وهذا الوضع مزمن وليس وليد الساعة بدأ يضرب ابواب العدالة منذ جائحة كورونا.

هو امر معيب حقا" لان تأمين القرطاسية والكهرباء والماء والنظافة هي ادنى مقومات توفير ظروف العمل للقاضي في دولة تريد فعلا ان تبقى هذه المؤسسة على قيد الحياة . هي الظروف الصعبة التي فرضت على القاضي الإعتكاف القسري. وفي اي حال هو يشعر بقلق على مستقبله مع ما يشهده من إستقالات لخيرة قضاته بسبب تضييق الخناق على القضاء وجرت الموافقة عليها لغياب الضمانات للقاضي الذي يعيش اليوم على مخرج السلفة وهو المخرج غير الثابت وغير المستقر لإنتفاء ضمان الراتب المستقر والمستمر بإزاء وهن الدولة ،وكذلك القلق من مدى مقومات الإلتزام بهذا المخرج. لقد بات القاضي يخجل امام عائلته حتى في حالة التوعك لم يستطع اليوم احد القضاة تأمين الطبابة لوالده التي كان يوفرها الصندوق والضمان الصحي الإجتماعي. هي معاناة يعيشها القضاة الاوادم بصمت لأن كرامتهم بالدق ويشعرون بمذلة لعدم قدرة اهل الشان والقرار من توفير ادنى مقومات الطبابة والتعليم لأولادهم .

فكيف للذهن ان يصفى وينصرف ألى العمل على تأمين مصالح الناس المؤتمنين عليهابأعناقهم وضميرهم. بالفعل ثمة مؤشر خطر في التعرض ماديا" للقضاء بعد حملات مركزة عليه لأكثر من عامين ومن شان ذلك ضرب دولة المؤسسات في الصميم فإن ذهب ذهبت، لأنه يمثل مقومات دولة القانون والمؤسسات وبغيابه تتحول الدولة الى شريعة الغاب او دولة بوليسية، الامر الذي لا يمكن ان يستقيم في بلد مثل لبنان.

لقد اعاد النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات الأمور الى نصابها بعد الضجة التي اثيرت عن تعميم مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان حول عدم مراجعة الضابطة العدلية القضاء في الجنح والجنايات المشهودة الصادر منذ أيلول الماضي. وتقول مصادر قضائية متابعة لهذه الناحية ان الإتفاق كان رسا على مراجعة النائب العام الإستئنافي في كل من المحافظات من الضابطة العدلية او المحامي العام الإستئنافي المناوب وفي حال تعذر الرد بسبب الإعتكاف القضائي مراجعة المحامي العام التمييزي القاضي غسان الخوري. وأضافت ان تأمين إعطاء الإشارة القضائية كانت قيد الجهوزية في كل الحالات حتى في حال تعذر رد احد المحامين العامين العامين الإستئنافيين فإن المدعي العام موجود وفي حالات التعذر القصوى، الأمر الذي ندر حصوله، يكون المرجع المخول بالرد على الضابطة العدلية النيابة العامة التمييزية . وهو ما كان قرره القاضي عويدات.

من التجربة القضائية في الأشهر الماضية مرورا" بالإعتكاف تستنتج مصادر قضائية ذات خبرة ان هذه التجربة شكلت دليل صحة بصمود القضاء على قوله" لا " وتطبيقه القانون والعدالة رغم إرتداد النقمة عليه نتيجة موقفه ، وإلا لكانت طريق الرضى ألسياسي على الإداء القضائي سهلة المنال.

أخيرا ثمة دليل عافية قضائيا برز بفتح تحقيقين على حدة في ملفين كبيرين بموضوع الإثراء غير المشروع. الملف الإول لا تزال تشرف عليه المحامية العامة الإستئنافية في جبل لبنان القاضية نازك الخطيب وقطعت شوطا" لا بأس به في ملف النافعة، وتحقيق ثان يتولاه حديثا" المحامي العام الإستئنافي في الجبل القاضي سامر ليشع في ملف الدوائر العقارية. وقد إنطلق التحقيق الأولي بإمرته ويشهد توقيفات.