في الوقت الذي تتخبط فيه البلاد، ويعاني فيه العباد، ما زال الجمود المتعمد يلف الاستحقاق الرئاسي ونعيش تداعياته على سيرورة تأمين متطلبات واولويات الشعب الاساسية. أسباب هذا الجمود عديدة، منها داخلي مرتبط بواقعنا السياسي المتشابك واخلاقيات الممارسة السياسية على ارض الواقع، فيما بعضها الاخر يرسم لنا مساراً قادماً من وراء البحار.
وفي ذكرى ميلاد المعلم الشهيد كمال جنبلاط، لربما من الاجدى ان نستعيد مقاربته لأي رئيس نريد او يحتاجه لبنان، والى اي مدى شهدت الثقافة السياسية اللبنانية تحولات في ادارة البلاد؟
يقول المعلم في كتابه "لبنان والجسر الوطني المقطوع"، "نحن نريد ان يكون رئيس الجمهورية المقبل رجلاً ينزع الى توفير التخطيط والتنمية في جميع مرافق لبنان، وتطوير النظام اللبناني السياسي والاقتصادي والاجتماعي. ونريده ايضاً ان ينتهج سياسة منعتقة من العلائق والارتباطات غير السليمة او المشبوهة، فتستوي في لبنان سياسة عدم الانحياز".
ويتابع المعلم: "هذا خطّنا، وهذا هدفنا. اما البعض من السياسيين والنواب- وما اكثرهم- فهم لا ينظرون الى رئاسة الجمهورية المقبلة الا من زاوية مصالحهم الشخصية والآنية والاقليمية، بما فيها مصالح الجاه والمال، ولذا فإنهم يتظاهرون بأنهم لا يفهمون علينا، ونحن، ويا للأسف نفهم عليهم".
وكأن كمال جنبلاط يصف واقعنا الحالي، منذ اكثر من نصف قرن، فلا شيء تغيّر او لمس تبديلاً او تطوراً.
الى ذلك، اتى "الرئيس المسيحي القوي"، والممثل مسيحياً، لكن امتداد شعبيته ومنطلقات ادارته لشؤون وشجون البلاد، بما منحه اياه الدستور من صلاحيات واوصى به من واجبات، ما حققت شيئاً يذكره المستقبل والتاريخ. ما حصل اننا وصلنا الى جهنم دون خيار او حتى فعل خطيئة. ولا احد يعلم، قد تكون خطيئتنا اننا لم نواجه بثورة بيضاء جدية - بكل ما تحمل الثورة البيضاء من معاني وادوات واساليب- جحيم الاطماع السلطوية والمالية والتمييز، وما فرض علينا من اثقال حماية مكونات بعض الداخل مصالح ارتباطاته الخارجية.
فإن الرئيس القوي مواصفاته جداً مختلفة... القوة ليست الى اي طائفة انتمي واي حزب او تيار امثل او ما املك من عددية التمثيل او عضلات "رعد وفجر"، لا بل القوة تتجسد في الاهداف والمشروع والرؤية والابرز روحية الحكم".
ويقول المعلم في "رسالتي كنائب": "في النهاية ماذا يهمنا من يحكمنا اكان مارونيا يصلب على وجهه بالخمسة ام كاثوليكيا ام أرثوذكسيا ام سنيا ام شيعيا ام درزيا ؟ اذا استطاع كل منا ان يصل الى حقه في العلم والعمران في العيش في المواطنية في الحرية. على ان المهم ان يكون الحاكم عادلا أي ان يطرد من نفسه فكرة التمييز أي تمييز بين حزب وحزب، بين جماعة وجماعة، بين طائفة وطائفة، وان يتصرف بروح الايمان الديني الحقيقي لا بروح الكفر، لأن كل من يميز بين بشري وبشري آخر على اساس الجنس او اللون او المعتقد يعد كافرا في نظر الله والملائكة والبشر ولو صلى الف ترتيلة وآية في كل يوم".
وفي زمن الاستحقاق الرئاسي ومسرحية الورقة البيضاء، فمن الواجب ان تردد حناجرنا وتسأل أقلامنا ما سأله المعلم منذ اكثر من نصف قرن من الزمن:
"فالى متى ستظلون تتشبثون بموقفكم المتعالي، وانتم قلة في لبنان لا تستطيع ان تفرض رأيها على الجميع، وعلى الجميع السواء؟
اما نحن فقد اخترنا طريق التغيير، مسالك التقدم، منهج الكرامة في الحياة. وهذا هو برنامجنا السياسي لتبديل نظام الدولة... واننا، في حلبة الصراع، لن نتوقف الا بعد تحقيق الغلبة.
سنصارع لنعيد للبنان معناه الذي افسدتموه، ولتتوضح مفاهيم الكرامة والعزة الوطنية والاعتداد القومي والشعور الانساني، ولنطرح عن لبنان ما علق به من ادران الاتساخ والتلوث الذي افتعلته ايديكم، يا ارباب العصبية والمال...
سنصارع لنعيد الى الانسان انسانيته ولنسهم بترقيته وتنميته.
ربِّ اشهد انني بلّغت..."