قطاف الزيتون وعصره... عودة إلى الأصالة

23 تشرين الثاني 2022 21:12:55 - آخر تحديث: 23 تشرين الثاني 2022 21:57:39

كان لموسم الزيتون هذا العام الفضل في رسم بسمة ولو ناقصة على وجوه اللبنانيين ويعتبر واحداً من الأوجه الإيجابية التي أنتجتها الأزمة إذ أن أغلب اللبنانيين توجّهوا هذه السنة إلى أراضيهم، وأولوها كل اهتمامهم، وحصدوا موسمهم بكل حبّ، واعتبروه موسم خير ووفرة، على الرغم من أن التعرفة على عصر زيتونهم أثقلت جيوبهم، ويعتبر واحدا من الأوجه الإيجاية التي أنتجتها الأزمة الإقتصادية الحاصلة للبلد، يجتمع اللبنانيون مع بعضهم البعض إما في الحقول أو في المعاصر حيث العودة إلى الأصالة، وحيث يجتمع فيها أهل القرية وتجتمع العائلات، وحيث تعبُق تلك الرائحة الذكية، رائحة الزيتون الممزوح بروائح الزيت والجفت...

حيث الرجال منغمسة بعملية العصر، تعلو الأصوات ويعلو المزاح والضحكات التي خُطفت عن وجه ومن قلب كل لبناني، هذا الانسجام يضفي شعور العودة إلى الأصالة، يحيي الحنين إلى تلك الأيام، فأيام البركة تلك هيهات على عودتها، ولكم نحن بحاجة إليها لنستعيد الشعور بالأمان والتعلق بأرضنا وبوطننا المسلوب.

ففي المعصرة تلك، كل آت بغلته ينتظر دوره بالعصر، وفي هذا الوقت يتناولون الأحاديث والهموم مع بعضهم البعض، أحيانا يسهرون حتى الصبح يستذكرون "أكلات" قديمة كانت أيام الأجداد ويحضرونها سريعاً، ويتشاركون بتناولها، بالأيدي وبلفائف الخبز المرقوق، وجميعها يكون الزيت البكر المكون الاساسي لها.

 أما الحقول كانت هذه السنة نابضة بالحياة، فالكل ذهب إلى القطاف "الكل" أي العائلة الكبيرة (الأهل، الأولاد والأحفاد)، اجتمعوا و"بطحوا الزاد"! وأعادوا إحياء الجو الأصيل بأنواع الطعام اللبناني مثل "البيض المسلوق مع البطاطا وزيت الزيتون، اللبنة والخضار الموسمية، المربيات، حبات الزيتون الجديدة"... فاجتمعوا وجلسوا على التراب حول ذلك الزاد الغني بالمشاعر كغِناه بالقيم الغذائية، شعروا بهذا التناغم الروحي مع الطبيعة.

أما الأولاد فكانت لهم الحصة الأكبر بعد إجبارهم على الجلوس القسري داخل منازلهم بسبب جائحة كورونا، كانوا يلعبون ويمرحون في حقول الزيتون، يتسلقون الأشجار، ويتنفسون الصعداء يملؤون صدورهم بالهواء النقي من كل شوائب التكنولوجيا، "أوكسيجين صافٍ" يحيي العقول والقلوب، وكم كانوا بحاجة إلى هكذا فسحة. هذا المشهد جعلنا نستذكر أبيات من قصيدة العملاق إليا أبو ماضي "وطن النجوم".

وطن النجوم أنا هنا حدق أتذكر من أنا ألمحت في الماضي البعيد فتى غريرا أرعنَا  جذلان يمرح في حقولك كالنسيم مدندنا يتسلق الأشجار لا ضجرا ولا ونا ويعود بالأغصان يبريها سيوفا أو قنا... والفارق الغريب بأن الشاعر جاءت قصيدته وليدة غربته، بينما نحن نشعر بهذه الغربة ونحن داخل وطننا، ويتآكلنا الحنين إليه ونحن نقف على ترابه.

علّ هذه العودة إلى الأصالة- حتى لو أنها عودة موسمية- تجعلنا نحن اللبنانيين نتكتل على موقف موحد في التخلي عن نزاعاتنا المفتعلة، نعود فيه لأصالتنا بحب هذا الوطن والدفاع عنه واحدا موحدا وغير مرتهن.