Advertise here

مشهد يذكر بالحرب... ورسائل على أبواب السراي

21 أيار 2019 10:45:09

أسوأ ما وصلت إليه الأمور في لبنان، هو أن يشتبك العسكر الحالي مع العسكر المتقاعد. ربما هي أزمة الثقة بين الموظف والدولة، وربما هي أزمة الدولة نفسها التي لا تبدو قادرة على اتخاذ إجراءات ملائمة للحد من الفلتان ليس الفلتان الأمني، بل المالي والتهرب الضريبي، والفساد والإعفاءات والهدر. الأزمة التي تؤدي إلى تظاهر العسكريين المتقاعدين، لا ترتبط بهم وحدهم، بل ترتبط بقرار دولة لا احد قادر على اتخاذه في لبنان.

ما جرى بالأمس في ساحة رياض الصلح ومحاولة العسكريين المتقاعدين إقتحام السراي الحكومي، يذكّر بمشهد حصل في العام 1993، حين تم اقتحام مكتب الوزير آنذاك فؤاد السنيورة، ويومها كان البحث يجري أيضاً في مخصصات وتعويضات ورواتب العسكريين. اليوم يتكرر المشهد على أبواب إقرار موازنة، ليست واضحة، ولو ظهر وضوحها لن تظهر جديتها في تحقيق الإصلاح وتوفير التقشف المطلوب.

الثابت في لبنان، هو ان لا حراك بلا غطاء، ولا بد أن الخلافات بين القوى السياسية وتسجيل الحسابات بين بعضهم البعض، هي التي أدت إلى تفاقم الحراك، بينما كانت التطمينات ترد من قبل المعنيين بأن رواتب العسكريين لن تمسّ. ما يشير إلى أن هناك خلافات أبعد من المدى التقني والمالي، وينطوي على تبادل رسائل سياسية من خلال استخدام الشارع.

لكن الأزمة، ليست أزمة رواتب عسكريين متقاعدين، فالبلد كلّه معطّل في إطار لعبة التجاذب بين القوى السياسية، التي تتبارى على طاولة مجلس الوزراء في الإلتفاف على الصيغة الأساسية والناجعة لتوفير المال وزيادة الواردات، فيتم اللجوء إلى فرض ضرائب على المواطنين بدون الإقتراب من الأملاك البحرية ووقف مزاريب الهدر والفساد.

ولم يكن مشهد الناس المتراصة على محطات المحروقات، سوى مشهد مذكّر بالحرب الأهلية، تلك الحرب التي تدور رحاها حالياً على البارد وفي السياسة بعيداً عن استخدام الأسلحة. حرب النفوذ في الدولة، وحرب الإلغاء في السياسة، وحرب تسجيل النقاط. لكن المشهد القاسي المذكّر في الحرب، يؤكد أن استمرار الدولة بسياستها الحالية، لن تكون نتائجه الكارثية بعيدة عن نتائج الحروب العسكرية، وإذا ما بدأت المشهديات تستعاد بأزمة البنزين، فإن حالة تفريغ الدولة والتسبب بزيادة منسوب ترهّلها، ستؤدي إلى ما هو أفظع.