Advertise here

تجديد التقاليد البارزانية في مؤتمر الحزب الديمقراطي الكردستاني

15 تشرين الثاني 2022 19:49:40

انعقد مؤتمر الحزب الديموقراطي الكردستاني "البارتي" في مدينة دهوك في إقليم كردستان-العراق بين 2 و6 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري. الانعقاد كان حدثاً عراقياً وأقليمياً بامتياز، نظراً لمكانة الحزب في العراق والإقليم، ولأنه جاء بعد تأجيل استمرَّ 12 عاماً، بسبب التطورات التي رافقت الحرب على تنظيم "داعش" الإرهابي من جهة، وجراء إجراءات العزل التي فرضتها جائحة كورونا من جهة ثانية، وفقاً لما أعلنه رئيس الحزب مسعود البارزاني. لكن الوقائع تؤكد أن أسباباً أخرى داخلية وخارجية فرضت التأجيل لهذه الفترة الطويلة.

مهما يكن من أمر؛ فإن الحزب الديموقراطي الكردستاني الذي تأسس عام 1946، يعتبر الأقوى على مستوى الإقليم، ومن أكثر الأحزاب تأثيراً في السياسة العراقية عموماً. ولا يمكن تجاهل رصيده الشعبي والتاريخي، ولا خصوصية سياسته التي تراعي المحيط الجيوسياسي ولا تتبع لهذا المحيط في آنٍ.

المؤتمر الـ14 حضن ما يقارب الألف مندوب يمثلون 600 ألف منتسب في قطاعات الحزب والمناطق على اختلافها، وقد انتخب لجنة مركزية من 41 عضواً، بعد إضافة مندوب عن الإيزيديين الذين أخفقوا في الوصول الى عضوية اللجنة من طريق الانتخاب، وهذه ظاهرة لا تُحسب لصالح الحزب، لأن هؤلاء يشكلون ما يقارب 10 في المئة من عدد أعضاء الحزب، ومن مجموع سكان إقليم كردستان الخمسة ملايين. كما جدد المؤتمر لمسعود بارزاني رئاسة الحزب، وانتخب ابن أخيه نيجيرفان بارزاني "رئيس أقليم كردستان" نائباً أول للرئيس وابنه مسرور بارزاني "رئيس حكومة الإقليم" نائباً ثانياً للرئيس.

رغم كلام مسعود بارزاني عن قبوله الرئاسة للمرة الأخيرة، وهو سيتخلى لغيره في المؤتمر المقبل المقرر انعقاده عام 2025؛ كانت ظاهرة العودة الى الجذور، او التمسُّك بهذه الجذور واضحة في كل تفاصيل المؤتمر السياسية والتنظيمية، ذلك أن ما يزيد على 30 في المئة من مجموع قيادات الحزب يتولاها أبناء العائلة البارزانية، كما أن انتخاب نائبين للرئيس للمرة الأولى، وهما من العائلة أيضاً، مؤشر واضح على تمسك قاعدة "البارتي" بالثوابت التي نشأ عليها الحزب، وبتجنُّب هذه القاعدة للطروحات الراديكالية التي ظهرت مؤخراً في بعض شوارع المدن الكردستانية، وعرَّفت عن نفسها، أنها انتفاضة على نظام الحكم القائم في الإقليم منذ العام 2003، والذي يتقاسم النفوذ فيه الحزب الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني الذي يترأسه بافل ابن الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني.

لكن الأبرز من كل ذلك؛ كان طي المؤتمر لصفحة حق "تقرير المصير"، وهو شعار رفعه مؤتمر الحزب في العام 2010، وهدف الى إجراء استفتاء على استقلال إقليم كردستان عن العراق نهائياً، وقد فشل الحزب في تطبيقه جراء المعارضة العراقية والإقليمية والدولية لهذه الخطوة الانفصالية. وشعار المؤتمر الحالي كان "التجديد – العدالة – التعايش" وهو ما يؤكد عودة الحزب الى لعب دورٍ توفيقيٍ داخل الإقليم وعلى المستوى العراقي العام، كما أنه يحاول امتصاص الطروحات المعارضة له، من خلال تعزيز سلطة القانون وترسيخ قوة المحاكم العدلية، وتوفير نماذج جديدة للتعاون مع الأطراف المعارضة للحزب داخل الإقليم، وهو ما أشار اليه بوضوح النائب الأول لرئيس الحزب نيجيرفان بارزاني، عندما أعلن عن مبادرة لإجراء حوار مع أحزاب الإقليم المنافسة، بما فيهم الاتحاد الوطني الكردستاني، كما طالب الحكومة العراقية الجديدة بالانفتاح على التيار الصدري، والحوار معه، مهما كانت العوائق.

رئيس الحزب مسعود البارزاني وفي كلمته الختامية للمؤتمر؛ أكد الدور الريادي الذي يضطلع فيه الحزب على المستوى العراقي، مبتعداً من الطروحات الانفصالية التي غلبت على خطابه قبل العام 2010، وهو لم ينفِ وجود مشكلات متعددة مع الحكومة المركزية في بغداد – خصوصاً حول تقاسم عائدات النفط – لكن ذلك لا يجب أن يؤدي الى خلافات عميقة تهدد الاستقرار.

ومن المعروف أن مسعود البارزاني لعب دوراً محورياً في التسوية التي حصلت في العراق الشهر المنصرم، وأدت الى انتخاب عبد اللطيف رشيد رئيساً للجمهورية، واختيار محمد شياع السوداني رئيساً للحكومة، وذلك من خلال مبادرة تفاهم فيها مع أخصامه في "الإطار التنسيقي"، وقضت بانتخاب رشيد لرئاسة الجمهورية، بدلاً من الرئيس السابق برهم صالح، رغم أن الرجلين ينتميان الى الاتحاد الوطني الكردستاني، لكن رشيد يتمتع بإستقلالية، ولا يكنّ الود للقوى التي تدور في فلك "الحشد الشعبي"، على عكس صالح الذي سلَّم غالبية أوراق الرئاسة للقوى المؤيدة للسياسة الإيرانية. وموافقة البارزاني على تكليف السوداني، كانت مشروطة بتأليف حكومة متوازنة، لا تشكل استفزازاً لنواب التيار الصدري الذين استقالوا من البرلمان، لكن زعيمهم مقتدى الصدر ما زال يتمتع بشعبية كبيرة في العراق.