Advertise here

هل تعيد قمة بالي بين بايدن وجين بينغ وصل ما انقطع بين بكين وواشنطن؟

15 تشرين الثاني 2022 13:09:25

التقى زعيما القوتين العظميين المتصارعتين، جو بايدن وشي جين بينغ، وجهاً لوجه للمرة الأولى منذ دخول بايدن المكتب البيضاوي. 
وفيما قال الرئيس الصيني لبايدن، إن "العلاقات الثنائية تمر بمنعطف سيّء ولا تصب بمصلحتنا"، وإنّ "علينا تصحيح مسار العلاقات الثنائية وتطويرها"، عبّر بايدن عن أمله في تجنب أي نزاع بين واشنطن وبكين، قائلاً: "العالم ينتظر منا لعب دور أساسي في مواجهة الأزمات.

وتصافح بايدن ونظيره الصيني بحرارة وهما يبتسمان أمام الإعلام، وقال بايدن لشي وهو يضع ذراعه حوله: "لقد أمضينا كثيراً من الوقت سوياً عندما كان كل منّا نائباً للرئيس، وكم هو رائع أن ألتقيك"، مضيفاً أنه "ملتزم الحفاظ على بقاء خطوط الاتصال مفتوحة على المستويين الشخصي والحكومي"، وتابع بايدن قائلاً: "بصفتنا زعيمين لبلدينا فإنني أعتقد أن من واجبنا إظهار أن بإمكان الصين والولايات المتحدة إدارة خلافاتنا والحيلولة دون تحوّل المنافسة إلى صراع، وإيجاد سبل للعمل معاً بشأن القضايا العالمية الملحة التي تتطلب تعاوننا المتبادل"، وأشار إلى تغيّر المناخ وانعدام الأمن الغذائي باعتبارهما من المشكلات التي من المتوقع أن يتصدى لها البلدان".

 بدوره أعرب الرئيس الصيني عن استعداده ل، "تبادل الرؤى الاستراتيجية بشكلٍ صريح وعميق مع بايدن بهدف تعزيز العلاقات الثنائية"، وقال "كلّنا نهتم كثيراً بالعلاقات الأميركية-الصينية".

انعقد الاجتماع بين الزعيمين في جزيرة بالي الإندونيسية قُبيل قمة مجموعة العشرين، في وقت وصلت العلاقات بين البلدين إلى أدنى مستوى لها منذ عقود بعد تصاعد التوتر حول تايوان، والحصار الذي فرضته بكين على الجزيرة، بالإضافة إلى الإجراءات التي اتخذتها واشنطن لتقييد تكنولوجيا التصنيع العسكري في الصين، من خلال فرض سلسلة من ضوابط التصدير الموضوعة لتعطيل قدرة الصين على إنتاج رقائق الكمبيوتر الأكثر تقدمًا واللازمة لتحديث الصناعات والمعدات العسكرية، ناهيك عن علاقة الصين وروسيا، والتي لم تتأثر على الرغم من اندلاع الحرب في أوكرانيا، والتي لا تزال غامضة بالنسبة لواشنطن، حيث تنخرط بكين وموسكو في مصلحة متزايدة لإحباط الأجندة الأمريكية، فيما يرى كثيرون  في الصين أن ضوابط التصدير الأميركية، ودعم الناتو لأوكرانيا، بمثابة نذير لكيفية احتواء واشنطن للصين، وإحباط مطالبها بتايوان.

بعد اجتماع استمرّ ثلاث ساعات أعلن البيت الأبيض أن بايدن أثار اعتراضات على "الأفعال العدوانية المتزايدة للصين تجاه تايوان"، مضيفاً أنها "تقوّض السلام والاستقرار عبر مضيق تايوان  وبالمنطقة الأوسع نطاقاً". لكنه أعلن أنه لا يعتقد وجود "أي محاولة وشيكة من جانب الصين لغزو تايوان".

ورداً على بايدن قال الرئيس الصيني إنهما بحاجة إلى رسم مسارهما وإيجاد الاتجاه الصحيح ورفع مستوى العلاقات التي لا ترقى إلى التوقعات العالمية، وأكد أن العالم "كبير بما يكفي" لازدهار بلديهما، وأن مصالح مشتركة "كثيرة" تجمع بينهما، وقال لبايدن: "في ظل الظروف الراهنة تتقاسم الصين والولايات المتحدة كثيراً من المصالح المشتركة"، مضيفاً أن بكين لا تسعى لتحدي الولايات المتحدة، أو "تغيير النظام الدولي القائم"، داعياً الجانبين إلى "أن يحترم كلٌ منهما الآخر".

وحذّر الرئيس الصيني نظيره الأميركي من تجاوز "الخط الأحمر" مع بكين بشأن جزيرة تايوان، وفق ما أوردت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) التي نقلت عن شي قوله لبايدن: "إنّ مسألة تايوان في صميم المصالح الجوهرية للصين، والقاعدة للأساس السياسي للعلاقات الصينية- الأميركية والخط الأحمر الأول الذي لا يجب تجاوزه في العلاقات الصينية- الأميركية". فيما أعلن البيت الأبيض في بيان له بعد القمة، أن الرئيسين تحدثا بصراحة حول القضايا الخلافية بين البلدين، مضيفاً أنهما بحثا الحرب الروسية في أوكرانيا.

لقاء الزعيمين الأميركي والصيني، يأتي وقد تحصن كل منهما بإنجازات داخلية في بلاده، فالنتائج التي حققها الحزب الديمقراطي باحتفاظه السيطرة على مجلس الشيوخ تشكّل انتصاراً حاسماً لما تبقى من ولاية بايدن التي تنتهي عام 2024. كما أن الرئيس "شي" الذي فاز بولاية ثالثة "تاريخية" من خمس سنوات على رأس الحزب الشيوعي بات في وضع أقوى من السابق، حيث أعيد تعيّنه أيضاَ على رأس القوات المسلحة التي أجرت مناورات عسكرية ميدانية ناجحة على الحدود مع تايوان، فيما ضاعفت واشنطن من دعمها العسكري لتلك الجزيرة التي تعتبرها بكين جزءاً من أراضيها. 

ويسعى الرئيسان الأميركي والصيني من خلال اللقاء المقرر بينهما، اختبار الاتفاق الذي تم بين البلدين حول كيفية التنافس على التفوق العسكري والتكنولوجي والسياسي، وذلك من أجل وقف تدهور العلاقات بينهما.

وفي قراءة للاجتماع، قال البيت الأبيض إن الرئيس بايدن قال إن الولايات المتحدة ستعارض أي "تغييرات أحادية الجانب" للوضع الراهن في تايوان من قِبل أي من الجانبين وأن الولايات المتحدة تعترض على "ردود فعل الصين القسرية والعدوانية المتزايدة" تجاه تايوان. وقال إن وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن سيتابع مناقشات الزعيمين في زيارة مقبلة للصين.

ما يقلق الصينيين أنّ أي اتفاق مع إدارة بايدن لن يُلزِم الإدارة التي تليه. لكن الأميركيين يدركون إنّ المصلحة الأميركية أولوية بالنسبة للحزبين الديمقراطي الجمهوري، لذلك فإنّ أي اتفاق يخدم المصلحة الأميركية سوف يبقى معمولاً به. والأميركيون قلقون من تعزيز موقع الرئيس شي في السلطة، ونهجه المناهض للولايات المتحدة، والذي يرونه نهجاً فردياً، مختلفاً عن أسلوب الحكم الجماعي الذي كان يحصل في الحزب الشيوعي الصيني، خصوصاً بعد الإهانة التي تعرّض لها الرئيس السابق، هو جينتاو، عندما أُخْرِج من قاعة المؤتمر أمام كاميرات التلفزة العالمية.

مهما يكن اعتراض الأميريكيين على القيادة الصينية، أو سلطة الرئيس شي، فإنهم يحتاجون للتعامل معه، وفق ما تمليه عليهم المصالح المشتركة للبلدين، والتي لا تُخدَم مطلقاً بالمقاطعة والعداء، فالحوار كان دائماً السبيل لحل المشاكل، وقد سلكه الاميركيون مع الاتحاد السوفيتي إبان الحرب الباردة، وهم يعلمون أن العالم لم يعد قادراً على تحمل حرب باردة أخرى مع الصين.

لا شك أنّ مؤتمر بالي شكّل فرصة ثمينة لبدء الحوار، أو على الأقل إنهاء مرحلة القطيعة بين أكبر اقتصادين في العالم، حيث يدرك الزعيمان أنّ لا بديل أمامهما سوى الحوار والتعاون.