Advertise here

أيّ نوع من الأهل تختار؟

14 تشرين الثاني 2022 16:35:36

اختلف الأهل في تربية بناتهم، بعضهم يرى أن تربّى البنات على الفضيلة ونور الهدى والحياء ما ينعكس خير وثاقٍ على المجتمع. والبعض الآخر ينادون بالمساواة بين الرّجل والمرأة وأن تمرّ الفتاة بتجارب الحياة لأنّ التّجارب  تصقلها وتزيدها خبرة. فأيّ أهل هم على حقّ؟ وما هي المسلّمات الّتي يؤمن بها كلّ منهم في تربية بناتهم؟
 
الأهل الّذين يرون أنّ البنت وجدت في الدّنيا لتكون أنثى طائعة لأبيها وأخيها وزوجها في المستقبل يعملون  على تربيتها  أن تطيع رأيهم ولا ترفع صوتها ولا تعبّر عن رأيها. أن تتّصف بالفضيلة والصّدق والأمانة ونور الهدى والإيمان وأن تتّسم بالحياء والخجل والخضوع والرّكوع. فتخجل أن ترفع عينها في وجه جارتها وأمّها وأبيها وأخيها. تنفّذ ما يُطلب منها دون تفكّر، لا تقابل أحدًا من النّاس. تعيش طفولتها في دار والدها وعندما تكبر وتصبح في سنّ الزّواج، تتزوّج من رجل تقدّم لها. فلا رأي لها في الموضوع. الثّوب الّذي يفصّله أهلها تلبسه الفتاة. لا داعي أن تتعلّم فتتفتّح شخصيّتها وحضورها ويصبح لها رأي. هي الفتاة المحافظة بحسب تصريحهم، عليها أن تنصاع وتنقاد وتطيع كلمة أهلها وأخيها وزوجها، حتّى لو كانت  هي على صواب فلا يحقّ لها أن تدافع عن رأيها. تلك الفتاة يعتبرها المجتمع قطيعة، لا يحقّ لها من الميراث إلّا أن تقيم في البيت في حال قطوعها أو عنوستها، وبعد ذلك يعود الميراث للأخ، لأنّه ذكر وهي أنثى، بينما أخوها يمرّ في تجارب عديدة في الحياة تجعله رجلًا وفق تعبير هؤلاء الأهل الّذين يفرّقون بين الذّكر والأنثى، بين الأخ وأخته. فها هو أخوها يتعلّم قيادة السّيّارة ويذهب إلى الصّيد ويقود الشّاحنة ويتعلّم في دواوين العلوم ويسافر ويطوف العالم  ويعاشر النّاس ويخالطهم ويسهر، ويجرّب في حياته. وأخته تنزوي في البيت، تنفّذ تعليمات أمّها وأخيها وأبيها وتطيع أوامرهم، ولا تقابل إنسانًا تتحدّث معه، لذا يبقى ذهنها محدودًا وعقله غير خلّاق. فهي لم تعاشر، لم تختلط، لم تجرّب، لم تخطئ، لم تصحّح خطأها. 
بينما في المقابل نرى أهلًا قد ساووا في التّربية بين البنت وأخيها الصّبي. انطلاقًا من حرّيّتها المسؤولة ودراستها وحضورها وقيمتها. تتعلّم وتتثقّف وتعبّر عن رأيها، ترفع صوتها عندما تتألّم أو تتوجّع مثلها مثل أخيها، تقود السّيّارة عندما تبلغ سن الرّشد وتمتلك دفتر سواقة، تتسلّح بالعلم وتنال الشّهادات، تقف على المنابر تخطب وتلقي وتعبّر عن أفكارها، تنادي بالحرّيّة، تثبت حضورها. تعمل خارج البيت، تحاسب نفسها، وتراقب تصرّفاتها، تتّصف بالصّدق والأمانة  والاستقامة  والفضيلة، تخضع لتجارب في الحياة تجعلها قويّة مقدامة، هي من يختار شريكها ولا يفرض عليها فرضًا. تتناقش مع أهلها في البيت وتفعل ما يحلو لها، ليست مجبرة على تنفيذ الأوامر مرغمة، منقادة، منصاعة، هي صاحبة رأي وحضور وقرار. تمشي واثقة. هي فتاة متحرّرة، تسافر تتعلّم تنتج مالًا، وتعرف الصّحّ من الخطأ، سيّدة نفسها. هذه الفتاة تنشئ جيلًا واعيًا متحرّرًا وليس جيلًا خنوعًا منقادًا. لأنّ النّساء الخجولات غير المجرّبات ينشأن في أميّة.
صدق الشّاعر أحمد شوقي بقوله:
وإذا النّساء نشأن في أميّة       رضع الرّجال جهالة وخمولا
 
أمّا موقفي فهو أن نتحرّر من قيود المجتمع ومن تقاليده وعاداته، ولتخرج الفتاة من حيائها وخنوعها وخضوعها لسلطةأقوال وأفعال رثّة عفنة. فهي الّتي تثبت ذاتها باجتهادها وتألّقها وحضورها وعلمها، فليس عليها أن تهاب أحدًا لأنّ المجتمع ظالم ويريد أن يضعفها ويقوقعها ويجعلها ضعيفة لتبقى لقمة سائغة في فم القدر والظّروف. لذا علينا كأهل أن نسلّح بناتنا بالعلم والوعي والثّقافة والتّجارب. وأن نعلّمهنّ كلّ ما يحتجنه في هذه الحياة حيث إنّ التّمكين العلميّ والتّمكين المادّيّ والتّمكين الاجتماعيّ يجعل الفتاة مساوية للرّجل في الحقوق  والواجبات، فتختار طريقها واختصاصها ونصيبها وحياتها. هذه حياتها وليس لأحد منّة عليها كيف تتكلّم، وبماذا تتكلّم، كيف تتصرّف، ولماذا تتصرّف. يجب أن تتحرّر الفتاة من ربقة التّبعيّة والخوف والاستخفاف والاستهتار بقدرتها وكفاءتها.
بناء على ما ذكر أعلاه. إنّ تجارب الحياة هي الّتي تربّي الإنسان سواء  أكان رجلًا أم امرأة. فلنتح الفرصة أمام أبنائنا  وبناتنا ليختبروا/ن الحياة وليشربوا/ن من نعيمها وليداففعوا/ن عن أنفسهم/ن وليحموا/ن ذواتهم/ن من كلّ أذى. "الممارس خير من الدّارس". فالتّجربة تصقل الإنسان وتبلور تصرّفه وتزن أعماله. دورُنا كأهل أن نرشد ونوجّه ونتصرّف بلباقة لنكون قدوة لأولادنا. أنت أيّها القارئ أيّ فريق من الأهل تؤيّد؟وأيّ نوع من التّربية تفضّل؟

 
هذه الصفحة مخصّصة لنشر الآراء والمقالات الواردة إلى جريدة "الأنبـاء".