بالتزامن مع القمة العربية التي انعقدت في الجزائر، انطلقت في إكسبو الشارقة فعاليات معرض الكتاب الدولي، تحت شعار «كلمة للعالم»، والمعرض يمكن تسميته ب«قمة الكتاب»، نظراً لما يتضمنه من أنشطة مخصصة لعالجة مشاكل وهموم الناشرين والكتّاب والمبدعين على المستويين، العربي والدولي، بعد حالة من الضياع أصابت القطاع بسبب تأثيرات جائحة كورونا من جهة، وبسبب تأثيرات الثقافة الرقمية من جهة ثانية.
والمعرض الذي يشرف عليه شخصياً صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، يستضيف 2213 ناشراً، من 95 دولة من مختلف أنحاء العالم، وقد وصل عدد دور النشر الأجنبية في المعرض إلى ما يقارب 1000 دار، ما يعطي المناسبة أهمية ذات طابع دولي، ويؤكد أن أسواق الإمارات لها خصوصيتها، العربية والعالمية، في آنٍ واحد. وهذا ما قاله مدير أكبر دار نشر في العالم (بنغوين راندوم هاوس) ماركوس دول، الذي شارك في مؤتمر الناشرين الدوليين الذي انعقد على هامش فعاليات المعرض.
وما أعطى المعرض أهمية استثنائية، هو مشاركة أكثر من 150 شخصية من كبار المفكرين والكتّاب في فعاليات الأنشطة التي تعقد على هامش المعرض، ومنها «مؤتمر الناشرين العرب»، و«مؤتمر المكتبات»، والعروض الفنية والعلمية عالية المستوى.
ومن العلامات الفارقة في «قمة الكتاب» فوز دار النشر اللبنانية «مؤسسة الانتشار العربي» بجائزة أفضل دار نشر عربية، وفي ذلك تأكيد على مكانة صناعة الكتاب المتقدمة في لبنان، وفي أن هذا القطاع استطاع تجاوز بعض جوانب الأزمة الخانقة التي حلّت بلبنان، من خلال الانفتاح على الأسواق العربية والدولية، كما قال مدير الدار نبيل مروة، والذي أشار إلى تفاؤله باستمرار نمو هذا القطاع، برغم كل التحديات.
والمشكلات التي تواجه قطاع النشر والتأليف كبيرة جداً، ومنها الانكماش الذي أصابه في السنتين الماضيتين من جراء تقلّص منسوب التواصل بين الناشر والقارئ، وبسبب تراجع إقامة المعارض التي تقوم بهذه المهمة على شاكلة واسعة، وهي كادت تختفي نهائياً من جراء القيود التي وضعت على التجمعات، وعلى التنقل، لتلافي انتشار وباء كورونا.
ومن أبرز التحديات التي تواجه القطاع؛ انتشار الثقافة الرقمية، ما أدى إلى تراجع مبيعات الكتب، لكن ماركوس دول (مدير دار بنغوين) قال إنه غير متشائم من هذه المستجدات، وقد تمكن بعض الناشرين الكبار من تجاوز هذه الصعوبات من خلال اعتماد نشر الكتب الإلكترونية، ومن خلال ابتكار أساليب جديدة في عملية التسويق، تعتمد على الانتشار الأفقي الواسع على المستوى الدولي، نظراً لقدرة التكنولوجيا الرقمية على الترجمة الفورية السريعة، ما فتح آفاقاً جديدة أمام انتشار البيع الإلكتروني. ويضيف دول: على عكس ما يرى البعض، فإن عمليات بيع الكتب الورقية ما زالت جارية بوتيرة معقولة، ولا يبدو أنها مقبلة على الاندثار على الإطلاق.
إمارة الشارقة رفعت من شأن الكتاب من خلال المعرض الدولي الاستثنائي الذي استضافته،على اعتبار أن التقدم والتطور لا يمكن أن يحصلا إلا من خلال اعتماد المعايير العلمية، وتعميم ثقافة الإبداع في ظل دولة الانتظام والقانون.
نقاشات واسعة حصلت مؤخراً بين مثقفين ومبدعين وكتّاب، أغلبيتهم كانوا أقرب إلى التشاؤم والخوف على مستقبل الكتاب وعلى تراجع مكانته، خصوصاً في ضوء تزايد تكاليف الطباعة وصعوبات التوزيع، وبسبب الفوضى العارمة في انتشار واستخدام التكنولوجيا الرقمية في عدد كبير من الدول، وبعضها لم يعتمد بعد قانون يحمي الملكية الفكرية، برغم وجود اتفاقيات دولية تلزم الدول باعتماد هذه المعايير.
المؤتمر الدولي للناشرين الدوليين الذي أشرفت عليه الشيخة بدور القاسمي رئيسة الاتحاد الدولي للناشرين، ناقش مجموعة من الملفات التي تتعلق بمستقبل القطاع. وبعض المداخلات في المؤتمر طرحت مقاربات مهمة وأعطت إجابات ناجعة عن التحديات الجديدة، ومنها خصوصاً إمكانية التعايش مع تطور الصناعة الرقمية، أو الاستفادة منها، في آنٍ واحد.
إن تناول موضوع النشر وتعميم الكتاب كأنه ملف تجاري فقط؛ خطأ كبير. فعلى العكس من ذلك، قد يستفيد الناشرون من الوسائل التقنية لتعميم الفائدة الثقافية، وللحفاظ على المردود المالي. فلكتاب الأمس خصوصياته، ولكتاب اليوم خصوصية جديدة يجب اعتمادها بما يتماشى مع التطور الحاصل.