توقّعت وكالة "فيتش" في تقرير أصدرته تحت عنوان «النظرة المستقبلية للمستهلكين في لبنان لـ 2023» أن ينمو الإنفاق الأسري الحقيقي في لبنان بنسبة 3% على أساس سنوي خلال العام 2023، وهو تحسّن من معدل نمو بنسبة 1.2% مسجل في العام 2022، وانكماش بنسبة 12% في العام 2021. وسيدعم ذلك تحويلات نقدية سترسل للأسر الضعيفة وتدفقات قوية للتحويلات مع انتقال المزيد من اللبنانيين إلى الخارج هرباً من تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
وتشير البيانات إلى انتعاش تدريجي في الإنفاق الاستهلاكي، حيث سيبلغ متوسط مؤشر أسعار المستهلك 60% على أساس سنوي في العام 2023.
وسلّطت "فيتش" الضوء على المزيد من المخاطر السلبية للتوقعات المستقبلية للعام 2023، بما في ذلك المزيد من التضخم الثابت والوضع السياسي الهشّ.
وترى "حلول فيتش" أن إنفاق الأسر في لبنان سيشهد تحسّنا في مستويات النمو في العام 2023 ، مع إدخال التحويلات النقدية للأسر الضعيفة وتدفقات تحويلات قوية مع انتقال المزيد من المواطنين اللبنانيين إلى الخارج هرباً من تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
وكنتيجة لذلك، تتوقع أن يتوسع إنفاق الأسر الحقيقي بنسبة 3% على مدار العام ، وهو تحسن إضافي عن النمو بنسبة 1.2% في العام 2022. وتشير هذه الأرقام إلى استمرار الاقتصاد في التخبّط بالأزمة، اذ سجّل إنفاق الأسر إنكماشات كبيرة بنسبة 12% للعام 2021 وانخفاضاً بنسبة 49.8% في العام 2020. وسيؤدي ذلك إلى رفع إجمالي إنفاق الأسر (بالقيمة الحقيقية) إلى 1,121 تريليون ليرة لبنانية (31.6 مليار دولار) في العام 2023. ومع ذلك، سيتمّ تضخيم هذه الأرقام من خلال المستويات غير العادية للتضخّم التي كانت موجودة منذ ذلك الحين اي في 2020. في حين شهد العام 2022 بداية انتعاش هش وطويل الأمد لقطاع المستهلكين والتجزئة في لبنان، ونتوقع أن يستمر ذلك حتى العام 2023، وأن يرتفع إنفاق الأسر بمتوسط سنوي بنسبة 2.8% على المدى المتوسط (2022-2026).
وأضاف التقرير أن بيانات نقاط البيع أي عدد العقود الموقعة مع التجار والصادرة عن مصرف لبنان، تشير الى أن قطاع التجزئة لم يبدأ بعد في التعافي. في حزيران 2022 (أحدث البيانات المتاحة)، استمر عدد العقود الموقعة مع التجار في الانخفاض بمعدل 3.2% على أساس سنوي. وخلال العام 2021 بلغ متوسط هذا المؤشر -5.8% على أساس سنوي، وهو أدنى مستوى مسجّل. في حين أن عدد العقود الموقّعة مع التجار لا يُترجم مباشرة إلى مبيعات التجزئة، ونعتقد أنه مقياس جيّد للمحافظة على "صحة" قطاع التجزئة في لبنان. ومن المتوقع أن يواصل الاقتصاد خروجه من الركود في العام 2023 وأن تعود بيانات نقاط البيع إلى النمو الإيجابي حتى العام 2023.
ترسيم الحدود ومخاطر أمنية أقلّ
ومع ذلك، توصّلت إسرائيل ولبنان إلى اتفاق في تشرين الأول 2022 بشأن ترسيم حدودهما البحرية، والذي نعتقد أنه سيقلّل من المخاطر الأمنية ويوفر فوائد اقتصادية للبنان من خلال التنقيب.
كما نعتقد أن تدفقات التحويلات المالية ستزداد على مدار العام مع هجرة المزيد من اللبنانيين وسط تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد. من المفترض أن تخفّف مصادر الدخل، إلى جانب عودة السياحة في لبنان، إلى حد ما من تأثير إلغاء الدعم وإضعاف العملة، ما يعزّز تحسّن نمو الإنفاق الأسري الحقيقي في العام 2023.
إزدياد الضغوط التضخمية
مقابل ذلك بعتبر التقرير ان الضغوط التضخمية ستستمرّ في الازدياد. وخلال النصف الأخير من العام 2022 ، بدأ التضخم في التحول إلى خدمات مثل السياحة، وسيستمرّ ذلك حتى العام 2023. وكان ارتفاع تضخّم أسعار المستهلكين هو الخطر الرئيسي على إنفاق المستهلكين خلال العام 2022، وقد أدى إلى تآكل القوة الشرائية وابتعاد إنفاق المستهلك عن الإنفاق التقديري، وسيستمّر هذا الوضع مع بداية العام 2023.
وكان الضغط التضخمي بدأ في الارتفاع على مستوى العالم في العام 2021، حيث نشأ نقص محلي عن طريق التأثيرات الأساسية وارتفاع أسعار السلع الأساسية والتحديات التي يواجهها المورّدون. كما أثّر الصراع بين روسيا وأوكرانيا بشكل كبير على أسعار الإمدادات العالمية للسلع الأساسية، مثل النفط والغاز، السماد، القمح، حبوب ذرة والشعير. وتتزامن الزيادات في أسعار السلع الأساسية بالفعل مع ارتفاع أسعار الإستهلاك على أن يستمر ذلك حتى العام 2023.
ويعاني لبنان من تضخم مفرط منذ العام 2020 وهذا الأمر أدى الى تآكل قدرة المستهلك الشرائية بشكل كبير ودفع العديد من الأسر إلى الفقر.
وأدى رفع الدعم الكامل عن أسعار الوقود في أيلول 2021 وإلغاء الدعم عن الأدوية، إلى جانب ارتفاع أسعار الغذاء والنفط في العالم إلى تسريع وتيرة التضخم في نهاية العام 2021. إضافة إلى الانخفاض المستمر في قيمة العملة في السوق الموازية. فالسعر المستخدم في تسعير جميع السلع المتداولة تقريباً في السوق اللبنانية، أدى إلى التضخم. ومع ذلك، يتوقع فريق المخاطر لدينا أن يتباطأ تضخم أسعار المستهلكين في لبنان في العام 2023 إلى متوسط 60% في العام 2023 من 178.8% في العام 2022. ومع ذلك ، فإن استمرار ارتفاع التضخم في أسعار المستهلكين سيؤثر على القوة الشرائية للأسر اللبنانية خلال العام المقبل، ويمنع حدوث انتعاش ملحوظ في قطاع المستهلكين والتجزئة طوال السنة .
ولفت التقرير الى ان المستهلك اللبناني مثقل بالديون، ويأتي ذلك مع تفاقم ديون الأسر بشكل كبير في السنوات الأخيرة.
فارتفاع مستويات المديونية يؤدي إلى الإحجام عن الإنفاق خلال فترات عدم اليقين. ومع ذلك، لا يتوقع فريق المخاطر Country Risk لدينا تعديل سياسة الفائدة من خلال زيادتها من قبل مصرف لبنان، ما سيخفّف من بعض المخاوف حيال كلفة خدمة الدين. وفي الوقت الحالي، لن تضطر الأسر إلى تخصيص الدخل المتاح لتمويل الديون، وحماية الإنفاق الاستهلاكي في المستقبل.
تحديات إقتصادية في العالم
ومشكلات سلسلة التوريد، ظهرت للمرة الأولى عندما بدأت الاقتصادات العالمية في إعادة فتح أبوابها في العام 2021 ، حيث طالب المستهلكون بمنتجات لم يكن لديهم القدرة على حيازة سوى كمية قليلة منها في العام 2020.
واستمرّ هذا الأمر بتشكيل ضغوط على الشركات المصنعة، مع بدء ظاهرة نقص السلع الاستهلاكية، مما أدى إلى بدء التضخم في الأسعار.
أدت السياسة المتبعة في الصين للحؤول دون انتشار فيروس كورونا إلى تفاقم هذا الأمر، مما تسبب في اضطرابات وإغلاق إنتاج المصانع والتصنيع في السوق، مع تأثير التغذية على السوق الاستهلاكية.
إضافة إلى ذلك، لا يزال الصراع بين روسيا وأوكرانيا يفرض ضغوطاً كبيرة على الإمدادات على السلع الأساسية، وخاصة الإمدادات الغذائية، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار السوق. واستجابت بعض الأسواق (مثل الهند وماليزيا ومصر) من خلال وضع قيود على تصدير المواد الغذائية، مما زاد من الضغط على الأسعار العالمية. أخيراً، مع توقعات معظم الاقتصادات بحصول تباطؤ اقتصادي خلال العام 202، يتمّ تسليط الضوء على مخاطر ارتفاع معدلات البطالة على توقعات المستهلكين لدينا على المدى القصير.
معدّل البطالة نحو التعافي
توقّع تقرير «فيتش» أن يتعافى معدل البطالة من الذروة التي سجلها في العام 2022 في أعقاب الأزمة الاقتصادية والوباء اللاحق . ورأى انه «في حين أن نسبة البطالة لا تزال مرتفعة على غرار مستويات ما قبل كوفيد مسجلة نسبة 6.2% و 9.3% في 2018 و 2019، وأقل من نسبة 45% و 50% في العامين 2021 و 2022 على التوالي. يتوقع فريق المخاطر أن يستمر هذا المعدل في التحسن خلال العام 2023، حيث سيبلغ متوسطه نسبة 30% على مدار العام. ومع ذلك، إذا ساءت الظروف الاقتصادية في السوق، فهناك خطر ارتفاع معدلات البطالة، والتي سيكون لها تداعيات سريعة على المستهلك.
تطورات النمو المسجّلة سابقاً والمتوقّعة
تتماشى توقعات تقرير «فيتش» للنمو في الإنفاق الاستهلاكي في العام 2023 مع توقعات فريق عمل «المخاطر» Country risk التابع لوكالة «فيتش»، الذي يرى أن «الاقتصاد اللبناني سيسجل نمواً بنسبة 3.7% في العام 2023 ، بعد انخفاض بنسبة 9.3% في العام 2021 وانكماش بنسبة 26% في العام 2020.
وستكون السنة الثانية على التوالي منذ العام 2018 التي سيكون فيها الاقتصاد اللبناني إيجابياً، مع التشديد على أن النمو سيكون هشاً.
وسيكون النمو بطيئاً نتيجة لتضخم أسعار المستهلكين المرتفع إضافة إلى الظروف السياسية المحلية الضعيفة وبيئة التشغيل الصعبة، وكلها عوامل غير مشجّعة على الاستثمار، ما يؤثر على فرص العمل. إضافة إلى ذلك، يرجّح التقرير ألا تتحسّن العلاقات مع أسواق دول مجلس التعاون الخليجي على المدى القصير رغم تنحية جورج قرداحي من منصب وزير، حيث يحافظ «حزب الله» على نفوذه في البلاد، مما يجدّد استياء دول مجلس التعاون الخليجي، وسيظل لذلك تأثير سلبي على صادرات السلع والخدمات خلال العام 2022.