منتدى الطائف: التأكيد على الاتفاق والتمسّك بمضمونه والحاجة إلى تجسيده

07 تشرين الثاني 2022 08:30:00

بدت بيروت صبيحة السبت في الخامس من تشرين الثاني على موعد مع "مواقيت جامعة" تبدأ برهتها عند العاشرة، لأن الحشود المتقاطرة إلى قصر الأونيسكو لحضور الذكرى الثالثة والثلاثين لإبرام وثيقة الوفاق الوطني الطائف، أوحت بأنّ المناسبة قادرة على سكب الحيوية وتحريك نوعٍ من الترشيق في الأوضاع اللبنانية كما في الناس الذين همّوا بالمجيء وسط ازدحام ظاهر. وهذه الديناميّة المعاكسة لما يفتعله سكون الضجر من تآكُلٍ في أروقة العاصمة اللبنانية، أمّنت متنفّساً للكيان على تنوّع المناطق والمشارب بعدما حضرت في انطباعات مواطنين منهم انطلقوا باكراً تلبية للدعوة من عكار والضنية وطرابلس والبقاع والجنوب وأقضية جبل لبنان. وكذلك، التقى البرلمانيون على تعدّد تكتلاتهم النيابية تحت سقف الدستور في قاعة استطاعت استيعاب الجميع بأعدادهم ومنطلقاتهم على السواء. ولم يُغرق الاكتظاظ الحضوريّ المسرح الذي ظهر أنه أشبه ببحثٍ عن خشبة نجاة أو حلّ ينقذ اللبنانيين من غرق قوارب الموت ويقيهم الاختناق بمياه الكوليرا.
?
وعندما فُتحت الستائر صارت خشبة المسرح نفسها طاولة حوارية ومساحة نقاش في منتدى بدا عابقاً بالاستذكار التاريخي الذي راقص رائحة بخور منثورة في أرجاء المكان مع اللون الأخضر الذي اختير للمنصّة وبرز أيضاً على المنبر من خلال العلمين اللبناني والسعودي. وكانت الخطوة التالية الانتقال إلى تقرير نقل الحاضرين من الحسّ إلى الصورة نحو مدينة الطائف قبل أكثر من ثلاثة عقود كأنها أشبه بمحطة علاج للواقع اللبناني بالذاكرة، مع سطور التأكيد على الميثاق الوطني والعيش الواحد والمناصفة بين المسلمين والمسيحيين؛ وهي مصطلحات تقابل في توقيتها المستعاد ذبذبات منادية بالانتقال إلى صيغة مثالثة، وضِمادات فوق كدمات المخاوف المتصاعدة من تفكّك مفاصل الدولة وتقسيمها. وهناك بعض الأسماء التي برز جلياً أنها محفورة مع الطائف في الاستحضارين الحسيّ المكانيّ داخل القاعة والصوريّ المتحرّك على الشاشة، وفي طليعتها الرئيس الشهيد رفيق الحريري وخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز. وكانت حرارة التصفيق الحضوريّ عند استعادة أسماء هذه الشخصيات توحي بأن صنّاع الحلّ الذي صيغ لإنهاء الحرب اللبنانية لا يزالوا نابضين مع بنوده، فيما أجمعت ملاحظات المشاركين على ضرورة الرجوع إلى الطائف كعودة إلى الكتاب. 
?
وعندما بدأ منظّم المناسبة وصانع هذه المشهدية السفير السعودي وليد البخاري مداخلته، أعاد التحام عناصر الزمانين والمكانين في المنتدى، مع تأكيده أنه "يعكس اهتمام المملكة العربية السعودية وحرص قيادتها الرشيدة للحفاظ على أمن لبنان ووحدته واستقراره؛ والأهم في هذا التوقيت الحفاظ على الوفاق الوطني الذي هو تجسيد لمرحلة مرّ بها لبنان وشعبه الشقيق. لذلك ارتأت جامعة الدول العربية التي انبثقت منها اللجنة الثلاثية وحرصت برعاية خادم الحرمين الشريفين رحمه الله الملك فهد بن عبد العزيز وبدعم جهود الشهيد رفيق الحريري في ذلك الوقت التكلّل بمخرج ينعكس ايجاباً على أمن لبنان واستقراره". وفي مرآة استطلاع الطائف في شباب عامه الثالث والثلاثين، أشار البخاري إلى "أننا اليوم بأمسّ الحاجة إلى تجسيد صيغة العيش المشترك بركائزه التي عالجها الطائف وبخاصة في تحديد محوريّة نهائية الكيان اللبناني والحفاظ على هويته وعروبته. لذلك، تحرص المملكة والمجتمع الدولي على التمسّك بمضمون الطائف للحفاظ على صيغة العيش المشترك ولن يكون البديل إلا المزيد من الذهاب إلى المجهول لا قدّر الله. ونحن نعوّل على حكمة القادة اللبنانيين وعلى تطلعات الشعب اللبناني الساعي إلى العيش بأمن واستقرار". وكشف البخاري أنه "خلال الزيارات إلى الاليزيه واللقاءات بمستشاري الرئيس ايمانويل ماكرون طرحنا إذا كان ثمّة نية لدى فرنسا للدعوة إلى حوار وطني؛ فأكدوا لنا بإجابة لا تقبل التأويل أو الاجتهاد أنه لن يكون هناك أي نيّة لنقاش الطائف أو تعديل الدستور".
?
انبثقت استنتاجات أساسية في المناسبة العبورية التي أريد منها الانطلاق في رحلة العودة إلى الطائف. وبحسب السياسي والديبلوماسي الجزائري الأخضر الابراهيمي، فإن "الهدف الذي تحقّق في الطائف كان أولاً إنهاء الحرب. وثانياً، ملء الشغور الذي تُرك بعد ولاية الرئيس أمين الجميّل لانتخاب رئيس للجمهورية. وثالثاً، فتح الطريق أمام جميع اللبنانيين لبناء دولة. وكان الأمل بأن تواكب اللجنة الثلاثية عمل لبنان لأجل إعادة بناء الدولة، لكن يجب ألا ننسى بأن هذه الإرادة أصيبت إصابة كبيرة نتيجة احتلال العراق للكويت والحرب التي أتت بعدها. وأوقف ذلك عمل اللجنة الثلاثية التي كانت تريد الاستمرار بمواكبة تنفيذ الطائف، وهذا لم يحصل". 
?
الدروس من التجربة اللبنانية القائمة على التنوّع، وفق تقويم مداخلة الرئيس فؤاد السنيورة، تفيد بأن "لبنان وفي كونه وطن العيش المشترك يقوم على قوة التوازن المستدام الذي يحقّق الاستقرار الوطني والسياسي والاقتصادي والثقافي. وتكمن الملاحظة الثانية ألا حلّ طائفياً لأي مشكلة في لبنان بل ينبغي الحلّ أن يكون وطنياً وللجميع. والأهم انتخاب رئيس للجمهورية وعندها تكتمل السلطات الدستورية، وبعد ذلك الالتفات إلى وضع ممارسة صحيحة تنفيذاً لاتفاق الطائف واستكمال تطبيقه كصناعة لبنانية كاملة جاءت استجابة لمصلحة كلّ اللبنانيين. ولا بدّ من انتخاب رئيس للجمهورية يؤمن بالطائف ويرعى العودة إليه بشكل صحيح". 
?
تطبيق بنود الطائف خطوة أساسية، انطلاقاً من تعبير رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، الذي لفت إلى أنه "قبل البحث في تعديل الطائف أو في حوار هنا أو هناك، علينا تطبيق بنود الطائف وصولاً إلى إلغاء الطائفية السياسية كما ورد في حرفية الوثيقة. وهو هدف وطني أساسي يقتضي العمل على تحديثه وفق خطة مرحلية. وها أنا وريث كمال جنبلاط، من قال إنني معارض لإلغاء الطائفية السياسية؟ لكن، شكّلوا تلك اللجنة، وصولاً إلى أن نحدث التغيير النوعي والكمي على الطائف في لبنان". وكذلك، خصّ جنبلاط الإشارة إلى "إصلاحات لم تنفذ كإنشاء مجلس الشيوخ الذي ربط بالبند القائم على انتخاب مجلس نواب لا طائفي واللامركزية الادارية، لكن هذا الأمر لا معنى له اليوم إذا لم ننتخب رئيساً للجمهورية".
?
رسم لوحة للمسيحيين والمسلمين كأمّة واحدة في اتفاق الطائف، أتى في تصوير المطران بولس مطر، في تركيزه على "أننا في لبنان أخوة في الوطنية والعروبة والإنسانية، ونرجو من جميع اللبنانيين أن يضعوا خلافاتهم كلّها تحت سقف الأخوة وليس فوقها". وأوضح مطر بأن "البطريرك مار نصرالله بطرس صفير كان في روما عندما اتصل به الفرنسيون والايطاليون وقالوا إن اتفاق الطائف فرصة للجميع ولعودة لبنان إلى ذاته. فاقتنع البطريرك وقال عند وصوله إلى مطار بيروت إن الطائف واقع، وربّما نطمح نحو الأسمى، ولكن نبدأ بالواقع ولنا كلّ الفرصة. فهل انطلقنا من الواقع واستفدنا من الطائف استفادة حقيقية؟ حرامٌ لبنان أن نضيّع له كلّ الفرص، والعودة للطائف فرصة جديدة للبنان وليس لنا فرصة إلا مروراً بها".
?
اتفاق الطائف كوثيقة أكد عليها مجلس الأمن الدولي وحرصت الأمم المتحدة على مواصلة دعمها منذ اللحظة الأولى، مسألة أضاءت عليها المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا، مع تأكيدها أن "الاتفاق لم يكن مجرّد آلية لإنهاء الحرب الأهلية، بل شكّل مثالاً لإنهاء الطائفية وتعزيز التعايش السلمي ونقطة تحوّل سياسية في تاريخ الدولة اللبنانية. وقد وضع الطائف نظاماً سياسياً جديداً يلبّي طموحات اللبنانيين في بناء الدولة ومؤسساتها من خلال تبنّي الاصلاحات وتنفيذها وتحسين البنية التحتية وتأسيس الانتماء الوطني في مجتمع متعدّد الطوائف؛ ومن هنا أهمية اللقاء الذي يستهدف شحذ الهمم لتطبيق كامل بنود الاتفاق التاريخي، بما يعزّز أمن لبنان واستقراره ويضمن ازدهاره".
?
استعادة شرح حياكة أبرز البنود الدستورية تمثّل في الحلقة الثانية من المنتدى، التي بدأت من مداخلة عضو تكتل "الجمهورية القوية" النائب غسان حاصباني، قائلا إن "دستورنا صالح والخلل في تطبيقه بدأ من النوايا، ومن المهم البقاء في جوّ الوفاق؛ ولبنان أمام فرصة مفصلية لتثبيت تطبيق الطائف، وعلى البرلمان اتخاذ الخطوات المطلوبة لتطبيقه". وأشار الوزير السابق بطرس حرب إلى أن "اتفاق الطائف صنعناه بكدنا وعرقنا وجهدنا، ولذلك يشكل جزءاً من حياتنا؛ ومن السهل اليوم انتقاده، ولكن لم يكن سهلاً ما كان يُعانيه يومها لبنان من قتل وقصف". أما الوزير السابق ادمون رزق، فشدّد على أن "جوهر اتفاق الطائف شراكة حضارية في نظام حر". وطالب الوزير السابق طلال المرعبي بضرورة "إنشاء مجلس شيوخ وإلغاء الطائفية السياسية". وبدوره، كانت عصارة كلام عضو المجلس الدستوري سابقاً أنطوان مسرّة بأنه "لا خيار سوى تطبيق اتفاق الطائف". ولاقاه الباحث نزار يونس، في قوله إنه "إذا لم ننفذ اتفاق الطائف فلن نتمكن من حماية لبنان".