Advertise here

شتاء الأطراف في لبنان: إمّا موت الشجر أو البشر؟

06 تشرين الثاني 2022 07:32:18 - آخر تحديث: 06 تشرين الثاني 2022 08:13:52

عام جديد يحلّ فيه الشتاء ضيفا ثقيلا، لا سيّما على سكان المرتفعات، في ظلّ الأزمة الإقتصادية المستمرّة، وما يرافقها من إرتفاع لأسعار المحروقات عالميا، وإرتفاع سعر صرف الدولار محليا، ما يجعل التدفئة حلما صعب المنال لمعظم قاطني تلك المناطق.

هذا وتتنوّع مصادر التدفئة لدى اللبنانيين بين الكهرباء والغاز والمازوت والحطب، وكلّها اليوم مكلفة جدا، كما أنّ ما يصلح إعتماده في المناطق الساحلية، لا ينفع في المناطق الجبلية حيث البرد قارس جدا، وبالتالي يتضاعف الإستهلاك مرّات عدّة.

إن احتسبنا كلفة التدفئة عموما فهي مرتفعة جدا، لا سيّما مع تعديل تعرفة الكهرباء ومع ارتفاع سعر المحروقات عالميا والدولار محليا.

فيما خص التدفئة على الكهرباء، تسحب هذه الوسيلة الكثير من الكيلواط ، فيما التدفئة على الغاز، تتطلّب قارورة غاز كل خمسة أيام كحد أقصى، بسعر يبلغ 421 ألف ليرة (4 تشرين الثاني)، أمّا المازوت الوسيلة التي يعتمدها أكثرية اللبنانيين، فيبلغ سعر الصفيحة ( 4 تشرين الثاني) 840 ألف ليرة لبنانية، وبالنسبة لخيار الحطب فهو منبوذ لدى البيئيين لأنّه خيار قائم على قطع الأشجار وإلحاق الضرر بثروتنا الحرجية، وعامل ملوّث للبيئة عند احتراقه. 

يشار إلى أنّ أسعار المحروقات لا سيّما المازوت، يمكن أن "يطير" مع بدء فصل البرد، بسبب احتكاره من تجار السوق السوداء، وزيادة الطلب عليه عالميا وارتفاع اسعاره خاصة بعد الأزمة الأوكرانية - الروسيّة. واحتمال انقطاعه كذلك.

حطب وجفت

في بلدة عيتا الشعب الجنوبية، الواقعة على الحدود الفلسطينية المحتلة، يسكن المواطن الأربعيني زاهر وهو أب لأربعة أولاد، ويعمل في في بيروت براتب لا يتجاوز 5 ملايين ليرة، يخبر "الديار" أن اغلب سكان بلدته يعيشون تحت خط الفقر بسبب إهمال الدولة لها، حيث لا كهرباء ولا مياه، وتفتقر لكثير من الحاجيات ومقومات الحياة.

شتاء عيتا القارس جدا لارتفاعها عن سطح البحر حوالى 700 متر، يجعل التدفئة فيها ضرورية على مدار اليوم وطيلة أشهر البرد الثلاثة، يعتمد سكانها على الحطب والـ"جفت" للتدفئة والبعض القليل منهم على المازوت نظرا لغلاء سعره وبالتالي صعوبة تأمينه، وبالنتيجة يتكبّد المواطن المزيد من الأعباء المادية خلال هذا الفصل البارد، حيث لا يوجد دعم من الدولة أو أي مؤسسة رسمية إلا بعض المبادرات الفردية التي لا تسدّ إلّا جزءًا قليلا من الحاجة وفق زاهر، الذي يضطر بدروه لاستخدام مدفأتين (صوبيا عدد 2) في منزله، إحداها تعتمد على الحطب، بكلفة حوالى 400 دولار طوال الشتاء، يدعمها بنصف نقلة "جفت" من مخلفات عصر الزيتون بقيمة70 دولارا.

تدفئة بالدين

في منطقة رياق البقاعية يسكن حيدر 49 سنة، موظف في بيروت، وأب لولدين يدرسان في الجامعة، يتحدّث لـ"الديار" بداية عن التكاليف والأقساط المرتفعة المتعلقة بالعام الدراسي الحالي، والتي يدفعها بالـ"فريش دولار" وعلى سعر الصرف، بالتزامن مع فصل الشتاء وتركيب" الصوب" على الحطب والمازوت، مضيفا أنّه حاول أن يقتصر في التدفئة هذا العام على مادة المازوت، لكنّها مكلفة وتنقطع باستمرار، وتابع أنّ سعر طن الحطب يبلغ بين 7 و 8 مليون ليرة، وسعر برميل المازوت (200 ليتر) 9 ملايين ليرة، وأنّه يحتاج الى برميل مازوت كل 28 يوما أو شهر، فيما يكفيه طون الحطب لمدة شهر أو شهر و7 أيّام كحد أقصى.

المدخول الذي يتقاضاه حيدر شهريا قليل جدا مقابل مصروفه، إذ يقبض شهريا نحو 5 ملايين ليرة فقط، بينما يحتاج إلى حوالي 20 مليون ليرة كحدّ أدنى، كي يستطع تعليم أولاده وتأمين حاجياتهم الأوّلية، عدا عن التدفئة والطبابة ودخول المستشفى، ما أجبره على إستدانة مبلغ 40 مليون ليرة، تكلفة التدفئة في موسم الشتاء حتى شهر نيسان حيث يخفّ الصقيع.

يونس: "الناس عم تصرخ... 

معاشاتها ما عم تكفي لدفع الإشتراك"

إلى عكار، يتحدّث لـ"الديار" رئيس بلدية بدنايل –الكورة محمود يونس عن وضع الأهالي في القرى والبلدات التي ترتفع من 300 متر وما فوق عن سطح البحر، خاصة مع بدء فصل الشتاء، شارحا أنّ الوضع كان مقبولا قبل الأزمة، من حيث تأمين حاجياتهم من الأكل والشرب والكهرباء والمياه ووسائل التدفئة في فصل الشتاء، لان الأكثرية الساحقة من المواطنين موظفون، أما اليوم فقد أدّى الإرتفاع الكبير بسعر الدولار وانعكاساته السلبية على الرواتب والأجور، إلى مشكلة كبيرة عند الناس، فتحولت البلديات الى جمعيات خيرية تساعد المواطنين عبر تأمين مواد غذائية و مساعدات من الصندوق البلدي، وأدوية وسواها، إلّا أنّ ارتفاع الدولار خفّض المداخيل الخاصة بالبلديات بحد أدنى من 100 مليون ليرة التي كانت تعادل سابقا نحو 65 ألف دولار، إلى ما يعادل 2000 دولار سنويا، وبالتالي صارت البلديات عاجزة.

وعرض يونس لحاجة الناس الماسّة اليوم لتأمين وسائل التدفئة على أبواب الشتاء، وقال إنّ معظمها يعتمد على المازوت، فيما يبلغ سعر الصفيحة اليوم نحو 900 ألف ليرة، إضافة إلى فاتورة مولّدات الكهرباء، "الناس عم تصرخ... معاشاتها ما عم تكفي لدفع الإشتراك".

أزمة كبيرة دفعت بالبلديات على حدّ وصف يونس، إلى التغاضي قليلا عن موضوع قطع أو "تشحيل" الأشجار من قبل البعض للتدفئة، لكن بنفس الوقت هذا يعرّض ثروتنا الحرجية للانقراض، "هناك أزمة كبيرة، ولا نعرف كيف نتعاطى معها بصراحة"، مناشدا المغتربين مساعدة عائلاتهم وأقربائهم في هذا الظرف الصعب الذي تمرّ به البلاد.

بلوق: "لا أعلم كيف سيتمكن الناس 

من إجتياز فصل الشتاء؟"

رئيس بلدية بعلبك فؤاد بلوق، يلفت لـ"الديار" إلى أنّ اللبنانيين في المناطق الجبلية أمام مشكلة كبيرة تتعلّق بتأمين مادة التدفئة للشتاء ( مازوت وحطب)، بسبب ارتفاع أسعار المازوت وانقطاع الكهرباء المستمر، معتبرا أنّ الأزمة تأتي في ظل عجز الحكومة اللبنانية عن القيام بالإصلاحات المطلوبة لوقف الإنهيار المالي، وأردف: "لا أعلم كيف سيتمكن الناس من إجتياز فصل الشتاء، إذا بقيت الأمور على ما هي عليه؟"، متابعا أنّ البلديات عاجزة عن مساعدة أبناء مدنها وقراها في ظل هذه الظروف الصعبة اذا لا يمكن لها تأمين المحروقات، لسيارات النفايات الخاصة بها وإزالتها من الطرقات، كما أنّ البلديات لم تأخذ حقوقها من الدولة منذ عام 2020 .

بلّوق لفت إلى أنّنا بدأنا نشهد قطع أشجار بشكل عشوائي، من أمام المنازل والأحراج والبساتين، مما يسبّب بضرر كبير للبيئة وخسارة للبساتين والمناطق الخضراء، "لا يوجد دولة كي نناشدها، من نناشد"؟ والحلّ هو أن نساعد بعضنا بعضا ونقف إلى جانب الفقراء والمساكين، ونطلب من ميسوري الحال، كلّ في منطقته أن يمدّ يد العون لجيرانهم وأهلهم، لأنّنا سوف نشهد الكثير من الفقر والحرمان، اذا لم تتدارك الدولة الأمر وتقوم بعمل ما، وهذا من الأمور المستحيلة على حدذ تعبيره.

خلاصة القول ... بين شجرة ترفده بالهواء النظيف، وبين هواء بارد يمكن أن يسلبه حياته وحياة أولاده، يقبع اللبناني في حيرة من أمره بين المحافظة على حياة الشجر وحياته كبشر، في بلد لم يرحم سياسيوه كلا الطرفين!