Advertise here

دروس وعبر من تجربة عون الرئاسية... ماذا عن المستقبل؟

31 تشرين الأول 2022 07:45:00 - آخر تحديث: 31 تشرين الأول 2022 10:25:20

تجربة رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون جديرة بالتحليل، وهي غنية بالعبر والدروس، ويمكن الانطلاق منها لتحديد الاختلالات التي تعتري الأنظمة البرلمانية التي ترتكز على مبدأ فصل السلطات وتعاونها، وكيف يؤدي تولية غير المؤهلين الى نتائج كارثية على الدولة، مما يهدد مستقبل الشعب ومصالحه، كما يمكن أن يدمر العيش المشترك بين مكوناته.

يرى الرئيس عون في أحاديثه المتعددة لوسائل الإعلام خلال الأسبوع الأخير من ولايته الرئاسية أن فشله كان بسبب عدم انسجامه مع القوى السياسية التي تمثل الأطياف كافة، «وكلن يعني كلن» تعاونوا لإفشال عهده كما قال.

وبذلك يعترف بأن عهده كان فاشلا وجعل من الجنة اللبنانية جهنما موصوفا، وهو يغمز دائما من قناة صلاحيات الرئيس المنقوصة وفق رأيه، لكنه يتجاهل سعيه طوال حياته العسكرية للوصول الى هذا المنصب، وهذا كاف ليدحض صحة ما يقوله، وأكثر من ذلك فهو يجهد لإيصال صهره النائب جبران باسيل الى هذا الموقع ليكمل مسيرة «إنجازاته»، وهذا دليل آخر على عدم دقة أقواله حول الصلاحيات، وحول اتهامه الآخرين بالمسؤولية عن الانهيار الذي حصل في عهده.

أهم ميزة للقائد وفقا لقواعد العلوم السياسية والإدارية، هي القدرة على توليف الواقع والإمكانيات المتوافرة لصناعة نتائج تخدم العامة. والرئيس عون كان يعمل على نقيض من هذه القاعدة، فهو بدلا من أن يجمع عناصر القوة للدولة ليدفع بالنفع العام قدما، جاهد طوال سنوات حكمه الست لإنتاج تناقضات بين فئات الشعب، ومارس تعطيلا لمؤسسات الدولة المختلفة، ولم تنج من تدخلاته أي من القطاعات الأساسية فيها، بما في ذلك السلطة التنفيذية والسلطة القضائية وغالبية دوائر الأمن والإدارة.

وهو ساهم في شلل الحياة العامة من خلال ممارسة تسلطه على كافة المؤسسات الدستورية، وبقيت البلاد من دون حكومات طوال نصف عهده، لأنه كان يفرض شروطا غير واقعية على الرئيس المكلف تشكيل الحكومة، ومارس أحادية السلطة من خلال دعواته المتكررة وغير المبررة لعقد اجتماعات لمجلس الدفاع الأعلى.

وما حصل مع الرئيس نجيب ميقاتي مؤخرا دليل كاف على الجحد الكبير الذي مورس، بحيث طالب النائب جبران باسيل بتسمية أكثر من ثلث أعضاء الحكومة، وهو لن يمنحها الثقة في البرلمان، وهي واقعة لم يسبق أن حصلت في لبنان، وتتنافى مع أبسط قواعد النظام البرلماني.

فشل الرئيس عون في إدارة أي حوار بين قطاعات الدولة المعنية، وبين القوى السياسية المختلفة، بيد أنه كان قادرا على لعب هذا الدور ببساطة متناهية، لأنه رئيس الدولة ورمز وحدة البلاد.

وعلى الدوام كان يستدعي المسؤولين لفرض إملاءات لا تستند الى معطيات موضوعية.

ويقول عدد من رؤساء الوحدات المالية والإدارية الذين التقوه مرات عديدة، إنه لا يستمع اليهم كما تفرض قواعد العمل على القائد الإداري، بل كان يعطي تعليمات غالبا لا تتناسب مع مصلحة الدولة العليا.

والانهيارات المالية وفي القطاعات المختلفة، ومنها الكهرباء، كانت من جراء اعتماد خيارات فرضها الرئيس وفريق عمله الذي يقوده في الظل صهره النائب جبران باسيل.

يحاول الرئيس عون وفريقه السياسي إنتاج حركة إعلامية وشعبية تغطي على الإخفاقات التي حصلت، لكن هذه المحاولات هي من باب إثارة الغبار لحجب الرؤية عن حقيقة المسؤولية التي يتحملها الرئيس عون وفريقه عن غالبية المآسي الإنسانية والمعيشية التي حلت باللبنانيين، وعزلت لبنان عن محيطة العربي وعن أصدقائه في العالم.

والضوضاء التي أثيرت حول اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، هي جزء من هذا الغبار المثار، وما حصل لم يكن انجازا عونيا على الإطلاق.

مهما كانت صعوبات المستقبل المرتقب، فهي بالتأكيد أخف وطأة على البلاد من جحيم أيام العهد المنصرم.