عون غادر بعبدا "بيّ التيار" لا "بيّ الكل".. القمصان البرتقالية وحدها ودّعته

30 تشرين الأول 2022 19:12:17 - آخر تحديث: 30 تشرين الأول 2022 19:59:13

كان المشهد أمام القصر الجمهوري مع مغادرة رئيس الجمهورية ميشال عون أبلغ من الكلام، واختصر عهداً بأكمله. أعلام التيار "الوطني الحر" علت ورفرفت في سماء بعبدا، واحتشد التياريون، بقمصانهم البرتقالية اللون، الذين تقاطروا من عددٍ من المناطق على طريق القصر الجمهوري، فبدا الحدث وكأنه مهرجان شعبي للتيار.

ناقض التياريون شعار قائدهم دون أن يعلموا، "بي الكل"، وتبيّن أن ميشال عون لم يكن سوى "بي" بعض التياريين، وليس جميعهم، بعد الاستقالات التي شهدها التيار، وعمليات الفصل التي طالت "صقوراً" وقياديين. لم يتواجد أي شخص من خارج التيار أمام القصر الجمهوري، باستثناء بضعة أشخاص من "حزب الله"، فاقتصر الحضور على "أبناء البيت"، واكتفى اللبنانيون بالاحتفال من بيوتهم بانتهاء العهد.

لم تُرفع سوى أعلام التيار، وحضر العلم اللبناني مرّات قليلة إلى جانب علم "حزب الله"، ورغم بساطة هذا المشهد وبديهيته باعتبار أنّه كان من المتوقّع أن يقوم التيار بتحضير وداع عون لقصر بعبدا، وكان من المرتقب أن ترتفع أعلام التيار فحسب، فإن ذلك يعكس بالمضمون دور عون في فترة الست سنوات، رئيس التيار والتياريين، وليس لبنان واللبنانيين.

تنسجم صورة بعبدا مع صورة العهد. كان عون رئيس التيار في بعبدا، وليس رئيس المسيحيين، ولا اللبنانيين. منذ بداية مشواره في الرئاسة، حرص على حسن تمثيل التيار في الحكومة، وعرقل عمليات التشكيل مرّات عديدة للتأكّد من صون حصّة تياره تحت شعار مبدأ عدالة التمثيل، لكنه لم يكترث يوماً لغياب العناصر المسيحية الفاعلة والشعبية الأخرى، كحزبي "القوات اللبنانية" و"الكتائب". كما عمل على إقرار قانون انتخابي على قياس تياره لضمان أكبر حصّة نيابية له. وانسحبت هذه السياسة على التشكيلات القضائية، والتعيينات في مختلف المواقع السياسية والأمنية.

صُبغ خطابه الجماهيري الأخير كرئيس للجمهورية بصبغة برتقالية، هاجم فيه رئيس الحكومة المكلّف نجيب ميقاتي، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وبدا بشكل واضح كرئيس طرف وتحدٍ، وليس حكماً، وهو الدور الذي اعتاد أن يلعبة رؤساء الجمهوريات للفصل أثناء النزاعات، والجمع عند الانقسام. ومع انتهاء خطابه، سلّم الشعلة إلى قطاع الشباب في التيار "الوطني الحر"، وكأنّه يسلّم السلطة في نظام وراثي.

لا أسف على رئيس فئوي ناقض الدستور والأعراف وأصر حتى اليوم الأخير على النكد السياسي، ولم يكن توقيعه قبول استقالة الحكومة، ولن يكون طلبه إلى الوزراء المحسوبين على تياره عدم حضور أي جلسة يدعو إليها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، مستغرباً، وها هو يُدخل البلاد حالة من الفراغ الشامل على صعيد السلطة الإجرائية لرفضه حكومة لا يحصل فيها تياره على حصّة الأسد، ومناكفةً بميقاتي وغيره.

رحل جنرال بعبدا وخلف وراءه تركة أزمات سياسية ودستورية واقتصادية واجتماعية سيتذكرها التاريخ وستطبع عهده الذي لم يرَ اللبنانيون فيه الخير. رحل لا أسف عليه، وسيؤرّخ الكتّاب فترة عهده ولن تغرّهم الحشود الشعبية التي عمل على تأمنيها لمواكبة مغادرته، وسيكون عنوان الكتب "عهد جهنم".