Advertise here

دولرة الشقق السكنيّة دون وجه حق جحيم يطيح بالمواطن واستقراره وعمله!

30 تشرين الأول 2022 07:37:33 - آخر تحديث: 30 تشرين الأول 2022 07:55:47

يقاسي اللبناني "الامرّين" وكأن قدره بات ان يتلظّى بإفراط أسعار ايجارات الشقق السكنية، المحروقات، الطبابة، الدواء، الاحتياجات الأساسية، العلم، وهلمّجر. بحيث ان ايجار شقه صغيرة مكونة من حمام وغرفة واحدة بات حلما بعيد المنال.

معظم المالكين او المستثمرين يطلبون الدفع إما نقدا بالدولار أو عن طريق حسابات مصرفية لأقارب المستأجر خارج البلاد.

ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية تراجعت قدرة المواطنين على استئجار الشقق السكنية، خصوصا أن معظم فئات الشعب لا تملك الدولار النقدي للدفع "بالفرش" نظرا لتضخم الأسعار أكثر من 80% بالمئة.

فما حال قطاع ايجار الشقق السكنية في لبنان اليوم؟ ولماذا يشهد ارتفاعاً جنونيا وهو لا يعد قطاعا مستوردا من الخارج؟

"الديار" ستعرض أسعار الشقق السكنية في مناطق لبنانية متعددة والتفاوت هو فقط في الرقم والقاسم المشترك الموّحد هو الإيفاء "بالفرش دولار".

ربما كان من الطبيعي ان يلحق هذا القطاع بغيره من القطاعات لجهة رفع الأسعار لتتماشى مع الزمان والمكان القائمين، الا انه من غير القانوني ان تكون ايجارات المنازل بالدولار كما انه من غير الطبيعي ان يسهم بعض المتمكّنين ماديا ومن لديهم دولارات يتقصّدون توظيفها في شتى المجالات ويعمدون الى "دولرة" كل ما أمكن لهم. 

ضبابية "الفرش"

مع فقدان العملة اللبنانية لقيمتها، ازدادت الأسعار في كافة القطاعات الحياتية وهذا لا ينطبق فقط على السلع المستوردة ونعني المواد الغذائية والاولية والصناعية الغير موجودة في لبنان او ليس لهد بديل كصناعة محلية بل تعداها ليشمل المكان الذي يعيش فيه المواطن وهذا الامر ليس وليد اليوم بل بدأ به تجار السوق السوداء مع اول رفع دعم بمضاعفة الأسعار نتيجة تلاعب سعر صرف الدولار.

والسؤال هل البيت مستورد؟ او السقف والحيطان الخ... وهل العقار مستورد؟

"الديار" قامت بإحصائية ودراسة لمدة أسبوعين متتاليين عن ارتفاع أسعار الشقق السكنية الغير مفروشة في مختلف المناطق اللبنانية وكانت الأسعار على الشكل التالي:

في بيروت، والتي تعتبر النقطة المركزية لكافة شرائح واطياف المجتمع اللبناني، وفيها يتزايد الطلب على عمليات الايجار للاستقرار والسكن والعمل. 

علاوة على ذلك، تقسّم بيروت بشكل عام إلى ثلاث مناطق رئيسية: منطقة الأشرفية، رأس بيروت، شارع الحمرا. 

الأشرفية وتُعدُّ قلب بيروت السكاني ومن أهم المراكز التجارية في البلاد. نتيجة لذلك، فإنّ الشقق السكنية فيها هي الأكثر طلبًا وتبدأ الإيجارات من 600$ حتى 1100$ بحسب مساحة الشقة او الاستوديو والذي يعتبر أقل من 100 متر مربع. وفي منطقة مستشفى اوتيل ديو غرفة مع منتفعاتها 400$، في "السيوفي" غرفة وفي داخلها حمام 200$.

أما منطقة وسط بيروت، حيث تبدأ أسعار الشقق ذات المساحة الصغيرة من 300$ وحتى 600$. وبالحديث عن شارع الحمرا فالشقق في هذا الشارع الشهير وهي كناية عن "ستوديوهات" صغيرة تتراوح مساحتها بين 100 و150 متراً مربعاً.

فرن الشباك 280 و230$، الفنار 280$، نيو روضة 200$، الدكوانة 240$، سن الفيل 230$، انطلياس 200$، جل الديب 200$، الزلقا 100$، عين الرمانة 250$، السوديكو 1100$، عرمون الدوحة بين الـ 300 و400$ اما عرمون الضيعة 250$، البوشرية 200$، الجديدة 200$، برج حمود 230$ بالإشارة الى ان هذه الشقق الصغيرة عبارة عن غرفة نوم ومطبخ وحمام وليست ذات مساحة كبيرة او فارهة.

لوهلة يشعر المواطن انه غريب في وطنه الأم فما يحدث من فلتان الأسعار سببه عدم المراقبة او المحاسبة فلا يوجد بلد في العالم قائم على العشوائية ولربما بات على الدولة ان تقيم جيشا من المراقبين لحماية ما تبقى من كرامة الانسان. فالحدود مشرّعة للتهريب، الدواء مغشوش، أصحاب المولدات "فاتحين على حسابهن"، أسعار المواد الغذائية مع رفع الدولار يرفعون الأسعار ومع انخفاضه لا عودة الى الوراء والخضر والفواكه عندما تتكدس المحاصيل يعمد التجار الى كسر سعرها وعندما يتحسّن البيع لا يلبث هؤلاء ان يعاودوا رفعها، وهلُمّجر.

الخبراء الاقتصاديون حذّروا

على الرغم من تحذير الخبراء الاقتصاديين من تأثير ارتفاع سعر الصرف للدولار في السوق السوداء، وانعكاساته السلبية على كل الشؤون الحياتية الأساسية سيما وان ارتفاع الأسعار غير مقيّد لا بل قد يصل الى ذروة الارتفاع دون رقيب او حسيب ولربما تعوّد او ملّ اللبنانيون من الكلام والمطالبة بحق من حقوقهم البديهية الأساسية كالمسكن فتأقلموا على دولرة كافة المجالات الا المسكن المكان الطبيعي لحفظ كرامة الانسان في ابسط حقوقه.

والسؤال ما الغاية من استيفاء بدل الايجار بالدولار؟ وأين العملة الوطنية من كل ما تقدّم؟ 

نبّه الخبراء الاقتصاديون من تأثير هذه الفوضى على المواطنين الذين لا يمتلكون القدرة المادية او مداخيلهم ما زالت بالعملة الوطنية أي الليرة ليصبح استئجار شقة من سابع المستحيلات حتى ان مئات اللبنانيين تركوا أعمالهم وعادوا الى مناطقهم لعدم القدرة في التوفيق ما بين العمل الذي يشغلونه ودفع المستحقات المترتبة عليهم واولها ايجار STUDIO او شقة صغيرة.

احلاهما "مرّ وعلقم"

سارة هي طالبة جامعية تدرس وتعمل لكي تستطيع دفع ايجار الغرفة التي تستأجرها اضطرت مكرهة للانتقال للعيش مع ذويها في الكويت بعدما أرغمها صاحب الملك على دفع شهر مسبّق إضافة الى رفع الايجار من 150 الى 300 دولار والجدير ذكره ان الشقة هي عبارة عن غرفة نوم واحدة مع حمام وبلا مطبخ او صالون. 

اما سيليا ورفيقتها وتسكنان في شقة صغيرة فقد أخبرا "الديار" عن رحلتهما الشاقة بالبحث عن مسكن بعدما رفع المستثمر الايجار، وذكرتا انهما يبحثان عن غرفة واحدة او ربما سرير لعدم قدرتهما في تغطية الايجار لشرط ايفائه حصرا بالدولار. وتتساءلان اين القانون من اجبار المواطن على الدفع بالعملة الغير وطنية؟ ومع بداية فصل الشتاء لا يوجد حلول وسطية أسعار الشقق الغير مفروشة نار ملتهبة وتلك المفروشة فقط للميسورين المغتربين القادمين سياحة.

أحد المستثمرين يدعى ف. صبرا يروي لـ "الديار" انه ليس باستطاعته ان يؤجر بالعملة اللبنانية، لذا وبعد ان كان العقد بالعملة الوطنية بات يطلب من المستأجرين الدفع بالدولار حصرا لان هذا القطاع برمته تمت "دولرته" وكل الذين يعملون او يستثمرون فيه بالعملة "الخضراء" حصرا ومع طلوع الدولار دولار ومع هبوطه يرفعون الايجار!

عفيف. ك وهو يعمل لدى أحد المستثمرين قال: " للأسف منذ نحو أكثر من سنة تم ايهام المستأجرين ان العقد الذي كان يعتمده المستثمر مع المستأجرين لم يعد ساريا لان صاحبة الملك الأساسية رفعت الايجار على المستثمر وليتبين فيما بعد ان المستثمر فبرك كل القصة وتقاضى خلافا للعقد بحسب ما منصوص عليه وليتهم صاحبة الملك التي قالت انها ما زالت حتى تاريخ اليوم تتقاضى من المستثمر بالعملة اللبنانية.

العملة الوطنية لها قوة ابراء مطلقة

نائبة رئيس لجنة الشؤون الاجتماعية في نقابة المحامين المحامية سامية المولى تقول لـ "الديار": في الثمانينات عندما انهارت العملة اللبنانية وانعدمت القدرة الشرائية لها اجتمعت الاجتهادات حينذاك على ان العملة الوطنية لها قوة ابراء مطلقة. وابعد من ذلك يوجد مادة من قانون العقوبات تحذّر في حال امتنع أي شخص عن قبول التعامل بالعملة الوطنية ويعد بمثابة جرم".

للقانون قوة ردع

تلفت المولى بالقول: "عندما يكون العقد بالليرة اللبنانية يجب تسديد المتوجب على أساسه فلو كان العقد المبرم منذ ما قبل الازمة وعلى أساس مبلغ 600 ألف ليرة يُدفع بحسب المنصوص عليه. بالإشارة اليه اننا نعيش في لبنان وليس امريكا وبالتالي القوة الابرائية للعملة اللبنانية وليست للدولار الاميركي".

الإيفاء بالعملة اللبنانية

تتابع المولى، "المادة 301 من قانون الموجبات والعقود اللبنانية تنصّ عندما يكون الدَّين مبلغا من النقود فيجب ايفاءه بعملة البلاد وفي الزمن العادي حيث لا يكون التعامل اجباريا بعملة الورق يظل المتعاقدون أحرارا في اشتراط الإيفاء نقودا معدنية معينة او عملة اجنبية وهذه المادة تبين لنا إمكانية اشتراط الإيفاء بالعملة الأجنبية لا تكون مباحة في تداول النظام الجبري بعملة الورق والتي بموجبه تعفى المؤسسة اصدار النقد  عبر البنك المركزي بتحويل النقود الورقية لما يقابلها ذهباً".

المشرّع اللبناني 

تستكمل المولى " المشرّع اللبناني في نصوص قانونية متفرّقة كرّس مبدأ التداول القانوني لليرة اللبنانية أي الالتزام المترتب على الجميع في قبول هذه العملة في التعامل".

وتضيف، " المادة 767 من قانون النقد والتسليف تعاقب من يتمنّع عن قبول العملة اللبنانية ضمن الشروط المحدودة في المادتين 7 و8 من القانون عينه. علماً ان هاتين المادتين تنصّان على القوة الابرائية لليرة اللبنانية".

وتتابع "المادة 7 تقول ان الأوراق النقدية تساوي قيمتها 500 ليرة لبنانية وفق قوة ابرائية غير محددة على أراضي الجمهورية اللبنانية.

وتلفت " الى ان الاجتهاد اللبناني أكد على هذا الامر واعتبر إمكانية الدفع بالليرة اللبنانية، بالإشارة "الى اجتهاد حديث تسلمت "الديار" نسخة منه في هذا المجال صدر في العام 2021 عن القاضي المنفرد المالي في جبل لبنان حيث تصدّى لهذا الموضوع معتبرا ان القوة الابرائية هي لليرة اللبنانية وبحسب ما هو مذكور في العقد". 

وتردف المولى " اليوم اذا رفض المالك اخذ الايجار بالعملة اللبنانية بحسب العقد المبرم بين الطرفين، فلو رفض المالك ان يتقاضى المبلغ بحسب القيمة والعملة المذكورة في نص العقد يمكن للمستاجر الذهاب الى كاتب العدل والقيام بما يسمى عرض وايداع فعلي لدى دائرة كاتب العدل ويبلغ للمؤجر والذي يحمل مهلة لرفضه او قبوله. وفي حال القبول يكون ابرء ذمته وفي حال عدم القبول فعليه ان يرد بإنذار او يعمد للشرح على الإنذار الموجه للجهة المعنية وله حق القبول او الرفض ووفقا للقانون لديه مهلة عشرة أيام لإقامة دعوى عرض وايداع فعلي في المحكمة واذا لم يقم الدعوى كأنه لم يفعل شيئا وبالتالي يصبح المستأجر في دائرة الخطر أي يجب ان يقيم دعوى تحت مسمى "اثبات صحة العرض والايداع الفعلي".

وتوضح بالقول، "هذه المهلة التي ذكرتها سابقا هي استنادا للمادة 824 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتي تنص على ما يلي: "على المدين تحت طائلة سقوط الاثار المترتبة على العرض والايداع ان يتقدم خلال عشرة أيام من تاريخ تبلغه لرفض الدائم لدعوى إثبات صحة العرض والايداع".

نظريتان وسلطان الإرادة 

تضيف المولى: "البعض يقول نظرا لحرية التعاقد القائمة في لبنان والشخص يملك سلطان الإرادة وبالتالي إذا ارادتي اتجهت لتحديد سعر العقد بالدولار يجب وضع بند يتضمن ان الإيفاء لا يتم الا بالعملة الأجنبية ولا يمكن تسديد المتوجب بالعملة الوطنية.

وتعرب المولى عن رأيها الشخصي بالقول: " يوجد في القانون وجهتي نظر". 

أولهما: ما يمكن ان يتضمنه العقد لجهة الإيفاء بالعملة اللبنانية. 

وثانيهما: حصر الإيفاء بالدولار او العملة الأجنبية المحددة في العقد والبعض يقول انه يحق لي استنادا لسلطان الإرادة التي املكها لدي والتي تعطيني حرية تحديد الإيفاء وحصره بالعملة المراد الدفع بها.

وتستطرد، "وجهة النظر الأخرى تقول انه لا يحق لي تحديد او حصر الإيفاء الا بحسب عملة البلد الأساسية والايفاء بها بحسب المنطق. 

وتستطرد المولى، "انا مع هذا الاتجاه الذي يقول حتى لو تم زيادة بند على العقد فسلطان الإرادة لا يمكن ان يطغى على المادة القانونية التي تنص على الإيفاء بالليرة اللبنانية.