"ضربني وبكى سبقني واشتكى"، ربما هذا أفضل مثل توصَف به اطلالة رئيس الجمهورية ميشال عون أمس قبل ثلاثة أيام من انتهاء عهده، الذي حاول تلميع صورته ببعض إنجازات باهتة لا ترقى الى مستوى معاناة اللبنانيين طوال السنوات الأخيرة، فبدلاً من الحديث بواقعية، فقز فوق أدائه في الحكم وأسلوب حاشية العهد في مقاربة الملفات والأزمات، وخرج على اللبنانيين بكيل من الأوصاف والاتهامات بحق القوى السياسية على قاعدة رمي التهم على الآخرين، كما وكأن اللبنانيين جاهلون ولا يعرفون حقيقة كل ما حصل وكل النهج الكيدي الاستئثاري الذي اعتمده طوال فترة حكمه.
كما بدأ، يخرج عون من الحكم، بعقلية "جنرال الرابية" لا أكثر ولا أقل، لم تجعل منه كل هذه العقود في العمل السياسي رجل دولة، وها هو يعود الى زواريبها رئيساً سابقاً، سبق للشعب وقال رأيه به في الشارع، وهكذا سيدخل التاريخ حكماً.
تزامناً، أُنجز اتفاق ترسيم الحدود البحرية بعد أشهر من المفاوضات التي قادها الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، وبعد سنوات على جهود الرئيس نبيه بري واتفاق الإطار الذي بقي المنطلق الأساس للاتفاق الحالي.
مصادر سياسية شددت عبر "الأنباء" الالكترونية على ان التحدي بدأ اليوم بعد توقيع الاتفاق وكيفية تعاطي لبنان مع ثروته الوطنية والاستفادة منها، مع التأكيد على الخطوط العريضة وأهمها انشاء الشركة الوطنية والصندوق السيادي لحماية نفط لبنان من الهدر والفساد والمحاصصة.
في الوقت نفسه، توقفت المصادر عند موقف الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله واعتباره أن المقاومة أنجزت ما هو مطلوب منها بدقة متناهية، متوجهاً لعناصر المقاومة بالشكر على قيامهم بالواجب، الأمر الذي أسقطه عون في اطلالته لإعلان الموافقة اللبنانية على اتفاق الترسيم، حيث تجاهل ذكر أي دور للحزب.
ولم تستبعد المصادر أن يكون لإيران ضلع بما تم انجازه، وإلا لما كان حزب الله ليتعامل مع الملف بهذه المرونة لدرجة جعلت المفتي الجعفري أحمد قبلان يصف ما جرى بالتحول الكبير لصالح لبنان.
مصدر نيابي وصف ما تحقق عبر "الانباء" الالكترونية بالأمر المهم، لكن العبرة تبقى بالنتائج وبالطريقة التي يعتمدها لبنان لإخراج نفطه وغازه من قعر البحر، محذراً من الاستمرار بالذهنية التي تم التعاطي بها في ملف الطاقة التي كلفت خزينة الدولة 45 مليار دولار، عدا عن الفائدة التي تقدر بأكثر من 5 مليار دولار، داعياً الى انشاء صندوق سيادي فور البدء باستخراج الغاز من قلب البحر.
في الملف الحكومي، لقد بدا واضحاً ان حزب الله والمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم جمدا وساطتهما باتجاه الرئيس نجيب ميقاتي والنائب جبران باسيل بعد التصعيد الكلامي في مواقف الأخير ورفض ميقاتي القاطع لتقديم التنازلات لباسيل وعدم رغبة بري بالتدخل.
المصادر تحدثت عن 24 ساعة حرجة، فإما أن تشكل الحكومة بالسرعة القياسية على ان يتولى الرئيس التوقيع على مراسيمها، او سيطوى الحديث عن تشكيل الحكومة الى ما بعد انتخاب رئيس الجمهورية.
ساعات قليلة متبقية ويغادر عون قصر بعبدا تاركاً 6 سنوات من حياة اللبنانيين لن يكون من السهل نسيانها بعدما دخلت التاريخ بسوئها وتداعياتها الكارثية على لبنان. ليدخل البلد في مرحلة انتقالية يحوطها الأمل بأن تحمل ما هو أفضل من السنوات العجاف التي مرّت.