Advertise here

إتفاق فرنسي - فاتيكاني حول لبنان... من 8 بنود

27 تشرين الأول 2022 07:30:02 - آخر تحديث: 27 تشرين الأول 2022 07:47:23

حطّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مطلع الأسبوع في حاضرة الفاتيكان متوّجاً زيارته بلقاء البابا فرنسيس حيث كانت الملفات الشرق- أوسطية مفلوشة على طاولتهما ومن ضمنها الأزمة اللبنانية التي تشغل بال كلّ من باريس والكرسي الرسولي.

لا شكّ أن باريس خسرت مكانتها في السياسة العالمية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة واتجاه النظام العالمي نحو الأحادية، وقد صارت أشبه بقوّة مساعدة للولايات المتحدة الأميركية أو بالأحرى، تعمل تحت جناح واشنطن، ولو أنّ كل رئيس فرنسي يُنتخب يُحاول أن يُعيد بلاده إلى الخارطة العالمية.

ويُعتبر ماكرون من أكثر الرؤساء الفرنسيين الذين حاولوا بعد انهيار جدار برلين أن يبتكر دوراً إقليمياً ودولياً لبلاده، وبدأ مسيرته عبر الإتحاد الأوروبي، لاعتقاده أنّ دور باريس قد يتوسّع بعد خروج بريطانيا من الإتحاد، لذلك بذل مجهوداً كبيراً في محاولته استعادة مكانة بلاده في الشرق الأوسط وطبعاً من خلال لبنان، أبرز بوابة للعودة الفرنسية.

لا يمكن تجاهل الصفعة التي تعرّض لها ماكرون بعد زيارته بيروت في أعقاب إنفجار المرفأ، بفعل فشل مبادرته الإنقاذية، لكنه لم ييأس ولم يهمل الملف اللبناني على قاعدة السعي لتحقيق استثمارات مالية وسياسية لا يمكن إنجازها إلّا من خلال تفاهم إقليمي يريد لبلاده أن تكون شريكة في حياكته. لذلك لا يزال يبادر من أجل وضع قطار المعالجات على السكة الصحيحة، بعدما أقنع السعوديين بالعودة إلى طاولة التفاوض حول الملف اللبناني.

وفي هذا المنحى، كان ملف لبنان في صلب محادثاته مع البابا فرنسيس، رغم أنّ الحرب الروسية - الأوكرانية تحتل واجهة الأزمات العالمية وتقلق أوروبا والكرة الأرضية بأكملها، لكن للبنان حصّة لا بأس بها من اهتمام باريس.

وتشير الأجواء التي رشحت من الفاتيكان نتيجة الإتصالات الفرنسية - الفاتيكانية السابقة والتي توّجت بزيارة ماكرون، إلى أنّ ثمة إتفاقاً فرنسياً - فاتيكانياً حول لبنان يتضمّن رزمة نقاط وتتمثل بالآتي:

أولاً: ضرورة الحفاظ على الصيغة اللبنانية وعدم الذهاب في الوقت الحالي إلى تغيير النظام.

ثانياً: الحفاظ على الدور المسيحي حالياً وصونه مستقبلاً من ضمن آليات الحكم المتّبعة لأن لبنان يُعتبر آخر دول الشرق التي يتمتع فيها المكوّن المسيحي بحضور سياسي وازن.

ثالثاً: الدعوة السريعة لانتخاب رئيس جمهورية جديد وعدم إطالة أمد الشغور في الموقع الأول في الدولة، لأنّ نتائج هذا الشغور ستكون كارثية.

رابعاً: مساعدة باريس والفاتيكان على تسهيل إجراء الإستحقاق الرئاسي عبر تنشيط الإتصالات الدولية.

خامساً: محاولة المساعدة قدر الإمكان من خلال إجراء إتصالات داخلية لتقريب وجهات النظر بين الأفرقاء المتخاصمين على الساحة اللبنانية.

سادساً: حضّ المسؤولين اللبنانيين على القيام بالإصلاحات الضرورية لوقف الفساد والإستجابة لمناشدات الرأي العام.

سابعاً: الإستمرار بتقديم المساعدات الإنسانية إمّا عبر الدول أو الجهات المانحة وعدم ترك الشعب اللبناني يواجه وحيداً الأزمة الإقتصادية والمالية التي تعصف به والتي تعتبر من أخطر الأزمات التي تضرب الدول.

ثامناً: التأكيد على دور لبنان في محيطه وحضّ الأطراف كافة على الوقوف إلى جانبه وتجنيبه إرتدادات صراعات المنطقة وحروبها.

وتأتي هذه البنود أو التفاهمات الفرنسية - الفاتيكانية حول الأزمة اللبنانية لتؤكد وجود اهتمام أوروبي ودولي بلبنان، وبالإستحقاق الرئاسي على وجه خاص، لكن هذا الإهتمام لن تتفرّع منه لائحة بأسماء مرشحين رئاسيين أو محاولة تسويق أي مرشح، لأن تجارب الرئيس الفرنسي السابقة تثبت أنّ الوحول اللبنانية قد تغرقه مجدداً، لذلك لن يُقدم على خطوة غير مدروسة.

ومن جهة ثانية، فإن الإليزيه يستكمل إتصالاته مع الدول الفاعلة بالملف اللبناني، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية وإيران والسعودية من أجل خلق أجواء مؤاتية لإتمام الإستحقاق الرئاسي وعدم إطالة أمد الشغور الذي يبدو أنه بات أمراً واقعاً ولن يستطيع المجلس النيابي إنتخاب رئيس جمهورية قبل نهاية ولاية الرئيس ميشال عون في 31 تشرين الجاري، لذلك فإن المساعي ستتكثف على رغم أنّ الجو التشاؤمي هو الغالب.

ومن وجهة نظر باريس، فإن أي خلل في تركيبة الحكم اللبناني وفي هرمية المؤسسات سيؤدّي حكماً إلى مزيد من الإنهيارات، لذلك فإنها تضع في سلّم أولوياتها ومنذ أيار الماضي مسألة إنتخاب رئيس جديد للجمهورية على رغم الضغط الذي مارسته بهدف تأليف حكومة جديدة بعد الإنتخابات النيابية.

وكانت باريس من أكثر العواصم التي ساهمت في تسهيل مهمة الرئيس نجيب ميقاتي عند تكليفه وراهنت على حكومته، ورغم أنّها صارت حكومة تصريف أعمال، وستتعرّض للتشكيك بشرعيتها، فإنها ستتعامل معها كسلطة أمر واقع لحظة وقوع الفراغ الرئاسي.

إذاً، وفي المحصّلة، فإنّ كلّاً من باريس والفاتيكان قامتا بكل ما يمكن لتجنّب الفراغ، وتبقى الكرة في ملعب النواب اللبنانيين لكي يقوموا بواجبهم الوطني.