حتى حرب أفغانستان، كان الأميركي (الأسود) يخوض حرب بلاده مع الآخرين وكأنه مرتزق. وفي الحرب العالمية كانت أميركا لا تزال تفصل العسكر بين أبيض وأسود. كذلك كانت الحال في معظم بلاد البيض. وفي أميركا كان المناخ العنصري سائداً في الجامعات والمدارس والمطاعم والملاعب والجيش. في كل مكان.
في بريطانيا كان النائب إينوك باول يدعو إلى إعادة جميع ذوي الأصول الأفريقية إلى بلادهم. ولم تكن الجامعات الأميركية تقبل إدخال الطلاب «الملونين». اليوم رئيس اللجنة الطلابية في هارفارد من الأفرو-أميركيين. ونائبة الرئيس الأميركية سمراء من جذور هندية. وللمرة الأولى وزير الدفاع وقائد القوى المسلحة، بعد «الرئيس» أفرو-أميركي.
لو قلت منذ عشر سنوات، إن رئيس الوزراء هندوسي لما صدقك أحد. لكن حفداء تشرشل وماكميلان وغلادستون ودرزائيلي، يعرفون اليوم أن الرجل الجالس في مقعدهم «ملون» ولكن من دون مرتبة الريادة. فقد كان أول «ملون» يحمل اللقب الأول في عالم الرجل الأبيض، السيد باراك حسين أوباما، الكيني الأب.
هندي في داونينغ ستريت ليس مثل هندي في وزارة عادية. وأميركية «ملونة»، مثل كمالا هاريس في البيت الأبيض، مسألة تقلق المجتمع الغربي برُمته، مهما ادعى اللاعنصرية. عالم الرجل الأبيض انتهت «صفوته» إلى زمن طويل. وثمة انتقام هادئ يحققه ريتشي سوناك في بريطانيا. والأدوار تنقلب. هندوستاني في مقعد تشرشل. على أي كتاب سوف يؤدي غداً؟ حاكمان هنديان في وقت واحد: الأول في دلهي والثاني في داونينغ ستريت. في الماضي كان هناك حاكم هندي واحد في لندن ودلهي، هو التاج. الآن ريتشي سوناك، وحده، في المقر التاريخي. رجل هندي الجذور والعِرق واللون واللغة. بعد تجربة قصيرة جداً وزيرا للخزانة وقفزة مذهلة إلى المبنى الملاصق، رئيساً للوزراء. كم سوف تنهال النكات و«التشنيعات» على الحدث وصاحبه، وعلى الإمبراطورية ووراثتها.
هل يصدق الهنود أن رجلاً منهم صار سيد الأميرالية وماكينة الحكم على نهر «التايمس»؟ وكيف سوف تتلقى مومباي ودلهي وغوا هذا الحدث؟ سوف يقول كثيرون بسبب حجم المفاجأة، إن القصة مجرد فيلم هندي. وسوف يستعد الملك تشارلز الثالث لهذا الموقف الذي «ولا في الخيال» كما تغني يسرا. استيقظوا. ليس هذا حلماً ولا كابوساً. لكن الملك يتهيأ للصورة التاريخية: شاب أسمر يقرأ عليه رسالة الحكم. ماذا كان روديار كيبلنغ سيكتب لو كان هنا، هو وقوله الشهير: «الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا أبداً». فليكتب ما يشاء: أوباما في واشنطن وريتشي سوناك في داونينغ ستريت، ورئيسة جامعة LSE من مصر.
هل قلت «سوناك» في داونينغ ستريت؟ ليس تشرشل ولا غلادستون ولا ثاتشر؟ ماذا حدث للإنجليز؟ هل أُفرغت «الجزيرة البريطانية» من ذوي الأسماء البيضاء الذين كانوا يتجولون في العالم بقبعاتهم المذهبة؟ لا. لكنهم عالم متغير. ولا يتوقف. ولم يعد أحد يحتمل فكرة الاستعمار.