Advertise here

هل بدأ الزمن يدور عكسياً باتجاه العصور الغابرة؟

21 تشرين الأول 2022 08:09:48

مع بدء التحضيرات لاستقبال موسم الشتاء، تطغى على شوارع البقاع ومدينة زحلة مشهدية مختلفة هذا العام، يلاحظ من خلالها تراجع حركة صهاريج المازوت التي كانت تغزو الطرقات في مثل هذا الوقت من السنة لتعبئة خزانات المنازل بالكميات التي ستحتاجها من أجل تدفئة المنازل، في مقابل تقدم حركة ناقلات الحطب الذي صارت أكوامه المكدسة في زوايا ومخازن المنازل، وحتى في بعض المساحات العامة، مشهداً طبيعياً. 

أسباب عدة تقف خلف هذه المشهدية، وأبرزها يتعلق بتداعيات البلبلة التي يعانيها سوق المحروقات منذ ما قبل أزمة أوكرانيا، وقد جعلت عائلات كثيرة تلجأ لتأمين ولو كميات صغيرة من المازوت في الخزانات باكراً، لتسد أقله حاجتها للتدفئة في الفصل الأول من موسم الشتاء الطويل في هذه المنطقة. 

ووضعت معظم العائلات خططاً لتقنين الإستخدام حتى لا ينضب مخزونها المحدود سريعاً، خصوصا بسبب أسعاره المشتعلة، وقد باتت تثقل الميزانيات حتى بالنسبة للعائلات المقتدرة. 

وعليه، وضعت عائلات بقاعية كثيرة الحطب على لائحة البدائل التي ستلجأ اليها، بعدما كان استخدامه في سنوات ما قبل الأزمة جزءاً من التعبير عن رفاهية إشعال «الشومينيه» لمضاعفة درجات الحرارة في المنازل. فضاعفوا هذا العام كميات الحطب المخزنة، لعلمهم أنهم سيحتاجون لكميات اكبر منه وحجزوا كميات إضافية لمنتصف الموسم، حفظاً لحصصهم عند تزايد الطلب.

ولا ينفي الكثير من العائلات حتى المقتدرة أنها ستضطر هذا العام للتقنين في استخدام تقنيات التدفئة المركزية للمنازل أو الشوفاج، وتلجأ الى الحطب كوسيلة تدفئة أساسية، بعدما كان وجود بعض مواقد الحطب الحديثة مجرد داعم للشوفاج بأيام البرد القارس. 

إلا أن الطلب على الحطب تزايد لدى كل الطبقات الاجتماعية كما يؤكد أحد تجاره في مدينة زحلة، مشيراً الى تضاعف نسبة البيع مئة بالمئة هذا العام، بعدما لاحظ طلباً من خلال عائلات كانت تعد مستورة سابقاً، ولا أحد يعلم حالها في ظل تدهور قيمة العملة الوطنية. 

وهذا الواقع أدى الى فوضى عارمة في السوق، تشهدها خصوصاً منطقة البقاع من خلال غزو مساحات حرجية محدودة نسبياً، حيث اقتلع جزء كبير منها قبل أن تتدخل الأجهزة الأمنية ووزارة الزراعة ويتسبب ذلك بمواجهات كما حصل مثلاً في قب الياس قبل أيام وفي بلدة الصويري قبل أسابيع. 

هذه التعديات يؤكدها ايلي بشعلاني وهو واحد من أكبر مزودي تجار الحطب بالكميات التي يحتاجونها في البقاع. متحدثاً عن إستغلال كثيرين حال الفوضى الحاصلة للإغارة على مساحات حرجية من أشجار السنديان والصنوبر، مؤكدا أنه لا يجوز قطعها إلا بناء لرخص مسبقة تحدد أوقات التشحيل، وطريقته، لمساعدة الشجر على النمو والتكاثر. 

يشرح بشعلاني بعض أسرار مهنته وترتكز بشكل أساسي على تأمين حطب السنديان، ويوضح بأن حياة السنديانة ونموها مرتبطان بعملية التشحيل، وهذا ما يجعل حطب السنديان متوفراً بشكل أكبر من حطب الصنوبر، خصوصا أن تشحيل شجرة الصنوبر يقتصر على رؤوسها اليابسة، فتصبح كميات حطب الصنوبر المتوفرة من الأشجار التي تكون قد يبست كلياً، ومن خلال عمليات التفريغ التي تحتاجها بعض غابات الأديرة خصوصاً، مؤكداً أن هذه العمليات لا تتم إلا بناء لأذونات وتراخيص مسبقة من وزارة الزراعة وبعد الكشف على مواقعها. 

أما النوع الثالث من الحطب فهو من أشجار الفاكهة المثمرة. ويكثر هذا العام حطب شجر التفاح خصوصاً، ويؤكد بشعلاني ما يتم تداوله في بعض وسائل التواصل عن لجوء مزارعيه الى اقتلاع بساتينهم نهائيا، تمهيدا لإستبدالها بأنواع مثمرة يسهل تسويقها، بعدما بات سعر تخزين التفاح أضعاف أرباحه المتدنية جدا منذ عدة مواسم. 

برأي بشعلاني «أنه لولا ارتفاع سعر المازوت، لما وجدنا هذه الظاهرة في الإعتداء على المساحات الحرجية ولا هذا اليأس الذي بلغه البعض لإقتلاع بساتينه»، معتبراً أن «علة العلل في جميع المصالح الاقتصادية هو هذا الغلاء في سعر المازوت والذي رفع الكلفة بالنسبة لكل المنتجين، وحتى بالنسبة لمنتجي الحطب». ويشرح بأن المازوت يدخل في الدورة الإنتاجية للحطب منذ الإنتقال بالشاحنات الى مساحات التشحيل لنقلها الى المشغل حتى مرحلة إيصاله الى المنازل. 

ويساهم في رفع الكلفة كما يقول سعر الدولار، الذي رفع سعر التجهيزات بشكل خيالي. ويذكر أن الجنزير الذي يشغل محركات تقطيع خشب الشجر كان ثمنه 18 الف ليرة وصار نحو مليون و500 الف ليرة. وكذلك الزيوت التي تحتاجها مولدات هذه المحركات إرتفع ثمنها من 20 الف الى 600 الف، الى أجرة العامل الذي كان يتقاضى 30 ألف ليرة يوميا وباتت أجرته 500 ألف. ما يترك إنطباعا أن أرخص عنصر في عملية إنتاج الحطب هو الشجر نفسه. 

فيما يؤكد بشعلاني بأنه حتى بعدما إنتظم سعر طن الحطب على 200 الى 240 دولارا طبقا لنوعيته، فإن أرباح التجار حاليا لا توازي ارباحهم في الماضي. إذ كان الطن يباع ب300 الف ليرة وكانت نسبة أرباحه تصل الى 40 بالمئة، فيما الطن حاليا يباع بنحو ثمانية ملايين ونسبة أرباحه لا تتعدى ال 10 بالمئة. ويشرح بشعلاني في المقابل أن كلفة طن الحطب قد تكون وازت كلفة برميل المازوت، إنما مع فارق أساسي بأن جمرة طن الحطب توازي الحرارة التي تولدها كمية برميل ونصف الى برميلي مازوت، مع رفع حرارة المنازل بشكل أفضل. ومن هنا يقول إن عائلات عدة عادت الى إستخدام مواقد الحطب على رغم المشقة التي تتسبب بها بالنسبة لربات المنازل، وخصوصاً أن مواقد الحطب تحتاج الى عملية تنظيف بشكل متواصل. وفي بعض المنازل جرى تعديل أنظمة مواقد المازوت لتعمل على الحطب. وهذه إجراءات اتخذت في القرى تحديداً، حيث لا يضطر الأهالي لشراء الحطب أحياناً، خصوصا ان معظم هؤلاء يملكون بساتين تحتاج الى تشحيل، وبالتالي يستخدمون «الشحالة» للتدفئة. 

إذاً، تساوى الفقراء والأغنياء هذه المرة بخلفيات تحولهم الكبير نحو الحطب، بهدف تحقيق الوفر في فاتورة التدفئة التي يترقبها الكثيرون بقلق شديد. فهل بدأ دولاب الزمن يدور عكسياً، وبدأنا نتدحرج من تقنيات التدفئة الحديثة الى مواقد الحطب مجددا؟