Advertise here

أين العرب من التصعيد الأميركي - الايراني؟

17 أيار 2019 11:35:00 - آخر تحديث: 17 أيار 2019 15:01:13

في سياق حملة التصعيد الأميركية - الإيرانية التي باتت على حافة الانفجار، برزت قراءة عربية جديدة للمشهد الإقليمي، تدفع قادة بعض الدول الى الحذر من الاندفاعة الأميركية، ويقول بعض المتابعين للأنباء، بأنه حين تضع الإدارة الأميركية، أولوية الإطاحة بالنفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، وتدخل عبر هذا الصراع لاحتواء إيران، فإنها تبعث برسالتين:

الأولى أن هذا الشرق الأوسط هو مساحة نفوذ أميركية، وأن الإيرانيين يتدخلون في هذه المنطقة وبالتالي هم يعبثون بالمصالح الأميركية. والثانية بأن شكوى بعض الدول العربية من التدخل الإيراني، لا تعني فقط تلك الدول، بل تعني الولايات المتحدة الأميركية التي تعتبر ان هذه المنطقة هي ضمن نفوذها، وبالتالي فإن نظام الالحاق والتبعية الذي تتعامل به واشنطن مع الأطراف كافة دون استثناء، من الحلفاء ومحايدين الى الخصوم والاعداء، هو ذاته في الأماكن والمناطق كافة.

لذا يتوجب القول أن الأولوية الإيرانية، ليست وحدها في سلم الاستراتيجية الأميركية للمنطقة، بل أيضا إنشاء ما يسمى "حلف ناتو عربي" تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي، وهذا الحلف هو أساس مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي تحدثت عنه كونداليزا رايس عام 2006، وأنه سيكون من أولى أولويات الولايات المتحدة الأميركية بعد استكمال ترتيب الحالة العربية وفق النموذج الأميركي، وهذا الحلف تشكل كل من مصر والكويت والامارات العربية والسعودية، وقطر نواته الأساسية، وسوف تكون إسرائيل إضافة الى القيادة العسكرية الأميركية في المنطقة جزء منه.

وينقل الباحث العربي عن الإدارة الأميركية قولها، "أن الأمن في الشرق الأوسط سوف يتم تحت هذا التحالف، الذي يظم القوة الأميركية، والجيوش العربية بعد تجميعها وترتيبها وفق الاستراتيجية الأميركية، وإسرائيل التي تريد واشنطن إدخالها في هذا التحالف"، ويستطرد الباحث العربي بالقول، إن "دخول إسرائيل إلى هذه المنظومة، يعني اننا أمام مشهد جديد تستخدم فيه القوة العسكرية العربية في خدمة أميركا وإسرائيل، ولذلك فإن الأولوية الإيرانية في هذا السياق باتت ذريعة أميركية لإدخال هذه القوى تحت تحالف عسكري تقوده الولايات المتحدة الأميركية والى جانبها إسرائيل".

لا بد من مقاربة فكرة الناتو العربي ومخاطر ذلك إذا ما أجرينا مراجعة سريعة للموقف الأوروبي الحالي، مع حلف الشمال الأطلسي (الناتو)، حيث تشتك تلك الدول من هيمنة الإدارة الأميركية على الحلف، لا بل فإن الرئيس الأميركي سخر من القادة الأوروبيين وطالبهم بدفع الفواتير المتوجبة عليهم كي يستمر في توفير الحماية لهم، وكما وضع لهم جدول جديد للمدفوعات، ويعيب عليهم عدم قدرتهم حماية أنفسهم لولا الدور الأميركي، الذي يشكل 80% من قوة الناتو في أوروبا، وقال لهم في أحدا الجلسات، أنه "لولا الوجود الأميركي في أوروبا لكانت روسيا قادرة على الوصول الى حدود لندن في 6 ساعات".

لذا علينا النظر الى هذه الأولوية بحذر شديد والبحث في كيفية ضمان استقلالية الموقف العربي بعيداً عن سقف الهيمنة الأميركية، وفي هذا السياق ثمن الباحث العربي موقف الجمهورية العربية المصرية التي أعلنت رفضها الانخراط في هذا التحالف، وقبل أن تتضح معالم تلك الصورة، فالمصريين لا يريدون الالتزام تحت سقف الموقف الأميركي فقط، خاصة أنهم استشعروا قوة الدور الإسرائيلي في هذا التحالف، ويرفضون ذلك من موقع المصلحة المصرية.

النقطة الثالثة في سلم الأولويات الأميركية، والتي يربطها الباحث العربي بحركة التصعيدية الأميركية في المنطقة، وهي التحضير لما بات يطلق عليه مسمى (صفقة القرن)، أي حل النزاع العربي – الإسرائيلي، وهذه الصفقة التي تتضمن مقترحات مرتبطة الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي فقط، فواشنطن لا تعترف بمسألة الصراع العربي – الإسرائيلي، وفي صفقتها تلك تفرض على الدول والقادة العرب دفع الأموال وتقديم العقارات والأراضي للتبادل لمصلحة الإسرائيلي، دون أن يقدم الإسرائيلي أي شيء مقابل ذلك، والنقاط الخطيرة في هذا السياق،

ترتبط بإسقاط الحديث عن القدس واللاجئين والمستوطنات، بما في ذلك المستوطنات المتناثرة التي يتم الوصل بين بعضها البعض، ويتم ضمها الى إسرائيل.
لذلك فإن الصفقة الجديدة، لا تعترف بالأساس القانوني لحق تقرير المصير للفلسطينيين، ولا بالقرارات الدولية 181، و 242، التي ترتكز عليها القضية الفلسطينية كمستند قانوني دولي، لا بل فإن الإدارة الأميركية تضرب عرض الحائط بالقوانين الدولية التي يستند اليها الصراع العربي الإسرائيلي، وترى أن حل قضية اللاجئين هي بترحيل أزمتهم الى الدول المضيفة، وعلى حساب المصالح الوطنية والقومية لتلك الدول، وأن حل الأزمة الاقتصادية يتم اسنادها الى الدول الخليجية التي عليها دفع الأموال من أجل ذلك، وإذا كان هناك من حاجة لحل أزمة بعض الأراضي فتجري عملية تبادل للعقارات دون الأخذ بمبدأ السيادة الوطنية.

لقد سربت صحيفة إسرائيلية أن صفقة القرن ستنطلق بجولة مفاوضات ثلاثية (إسرائيلية – حماس - السلطة)، وبالتالي إنهاء التمثيل الفلسطيني في المفاوضات الثنائية التي دارت رحاها طوال السنوات الماضية، وبالتالي إسقاط شرعية التمثيل الفلسطيني الحقيقي المتمثل بمنظمة التحرير الفلسطينية، بحيث بات هناك فريقين فلسطينيين، وأن هناك ما يسمى "فلسطين الجديدة"، دون ذكر اسم دولة فلسطين، وفق ما ذكرت الصحيفة، أي أن فلسطين الجديدة قد تكون منتجعا سياحيا أو محطة قطارات، أو ما يشبه ذلك، وفي ذلك استخفاف بالمواطن الفلسطيني وبالجغرافيا والتاريخ، واحتقار للأنظمة والشعوب العربية، وتضحياتها مجتمعة.

لذلك وأمام هذه الاستراتيجية الأميركية ثلاثية الأولويات يرى الباحث العربي، أن هذه القضايا الثلاث مجتمعة او متتالية، وفي ظل حملة التصعيد الحالية وفي ظل التأكيدات الاميركية والايرانية بعدم الرغبة بالمواجهة المباشر، وامام ما يجري من احداث في الخليج العربي وانقسام حاد في العراق، فأن احتمالات الانفجار العسكري الخليجي - الايراني  مباشر وغير مباشر, حيث باتت العراق ارض خصبة لتلك من خلال قوات الحشد الشعبي المدعومة من ايران على غرار الحرب مع اليمن ضد الحوثيين المدعومين مباشرة من ايران ايضا، وهذه الاحتمالات التي تضع الخليج العربي وايران انا حرب استنزاف طويلة هي الاكثر ترجيحا  وانسجاما مع الاستراتيجية الاميركية واولوياتها الثلاث.

1-  مواجهة ايران ومحاصرتها وتقليص مساحة تمددها في الدول العربية على خلفية ايديولوجية دينية من اليمن الى لبنان وسوريا والعراق، سيما وان السلوك الايراني منذ ثورة الخميني 1978 ساهم في انتاج التوترات العديدة في المنطقة.

2- تسريع عملية تشكيل (الناتو العربي) الذي يصبح ضرورة عربية للدفاع عن دول الخليج العربي والذي تفرض انطلاقته ظروف الامر الواقع الميداني على غرار التحالف العربي في اليمن تحت مسمى عاصفة الحزم، مع حضور اميركي فاغل واستخباراتي اسرائيلي التي تقف على خط تماس مباشر في مواجهة التمدد الايراني في سوريا ولبنان، وبالتالي فإن ظروف الخرب تتطلب توحيد الجبهات ضد ايران، ما يعزز ارتباط الجيوش العربية استخباراتيا وامنيا مع إسرائيل.

3- قضية صفقة القرن، التي تصبح بحكم التفاصيل الثانوية امام التنسيق العربي - الاسرائيلي في المواجهة مع ايران وفي ظل التهديد الوجودي لدول الخليج، ما يعزز التصلب الاسرائيلي المتطرف والرافض حل الدولتين  ولا يعترف بوجود فلسطيني.

وفق هذا السيناريو الذي بات من الاحتمالات الواقعية في ظل التصعيد الخطير في الخليج العربي، تضع واشنطن المنطقة بأسرها أمام مخاض عسير وصراعات دموية لا تنتهي، وإنها إذ تغري البعض بأنها سوف توجيه ضربة قاسية الى إيران، لكنها تصفع العرب مجتمعين ومتفرقين ضربتين قاتلتين، أكثر قساوة من الضربة التي ستوجهها الى ايران، وهذا ما يضع الدول العربية إذا ما بقيت تحافظ على هذه التسمية أمام منعطف خطير.