Advertise here

توترات نفطيّة وأيديولوجيّة جديدة أفرزتها الحرب الأوكرانيّة

11 تشرين الأول 2022 09:37:19

خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي ألقاه في مناسبة إعلان ضمّ 4 أقاليم أوكرانية إلى روسيا، ألقى الضوء على عناوين خلافية جديدة بين روسيا والغرب، تتجاوز تفاصيل الحرب التي تدور في أوكرانيا. وتفجير خطي إمدادات الغاز التي تعبر بحر البلطيق من روسيا إلى أوروبا زاد من المخاوف، وأكد وجود اختلافات جوهرية بين الحلف الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبية من جهة، وروسيا وحلفائها من جهة ثانية، ذلك أن واشنطن كانت قد اعترضت على إنشاء خط نورد ستريم – 1 وخط نورد ستريم - 2، لأنهما يعطيان حوافز مالية كبيرة للاقتصاد الروسي، ويزيدان من منسوب التعاون بين روسيا والاتحاد الأوروبي، وهو ما لا يروق لها على المدى البعيد.

وظهر بوتين في خطاب 2 تشرين الأول (أكتوبر) كأنه منظِّر سياسي إضافة إلى كونه رئيس دولة كبرى، وقد تبنّى ركائز عقائدية، غالباً ما يتحدث عنها المفكر الروسي ألكسندر دوغين، ومنها خصوصاً الاختلافات حول الرؤى الإنسانية، بحيث رفض بوتين الاعتراف بمقاربة وجود مثلية جنسية، معتبراً أن الله خلق البشر من ذكر وأنثى فقط. وحذّر من تغلغل الأفكار الغربية إلى المجتمع الروسي، من خلال تسخير الناس لخدمة التكنولوجيا والمصالح، بينما العكس يجب أن يكون صحيحاً، أي أن الوعي الإنساني الذاتي هو الأساس وفقاً لمقاربة بوتين.

 

وفي تحليله لمسار الحوادث في أوكرانيا، اعتبر بوتين أن أوكرانيا لم تكُن دولة متكاملة عبر التاريخ، لا من حيث الجغرافيا ولا من حيث هوية السكان، والغرب يحاول محاصرة روسيا الواعدة من خلالها، مشيراً إلى أن الوقائع تفرض احترام الفكرة الأوراسية، وهي عبارة عن وحدة جغرافية وحضارية تمتد على كامل المناطق التي كانت تشكل الاتحاد السوفياتي السابق، كما أشار بوتين إلى سقوط النظرية الليبرالية المُتفلتة، حيث الناس لا تستطيع أن تأكل أوراق اليورو، ولا أن تلاقي الدفء بورقة الدولار الخضراء، في إشارة إلى قوة العملة الورقية لكل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية.

 

وطالب بوتين الدول الغربية بضرورة إعادة النظر بسياسة توسيع حلف شمال الأطلسي شرقاً، محذراً من قبول عضوية أوكرانيا، وأكد أن روسيا سترد على محاولات حصارها العسكري والاقتصادي من خلال خيارات موجعة، قد يتألم منها الجميع، واستهداف نورد ستريم – 1 ونورد ستريم – 2 وتفجير جسر كاريش يحصل من ضمن سياسة الحصار التي تعتمدها واشنطن ضد بلاده، رغم أن روسيا لديها بدائل عن هذين الخطين لبيع غازها الطبيعي في الأسواق الدولية، وهي أقدمت على الفور بإصلاح جسر كاريش، وأعادت ربط جزيرة القرم بالبر الروسي.

 

مع مرور الوقت؛ تتفرع أزمات جديدة ناتجة من الحرب في أوكرانيا، منها أزمات أمنية وصلت إلى حد التهديد باستخدام السلاح النووي، ومنها أزمات عقائدية ينتج منها إظهار الاختلافات الجوهرية بين رؤى الشعوب، وقد أعيد إحياء النزعة القومية التي اعتقدنا أنها تلاشت بعد مرحلة غنية بالتعاون الدولي، في ظل الأحادية القطبية، وبالتزامن مع بروز ظاهرة التوحُد القاري الذي انطلق بقوة مع معاهدة مترنيخ التي أنشأت الوحدة الأوروبية عام 1992. وبروز هذه النزعة تؤكده استعادة بريطانيا تمايزها عن الاتحاد الأوروبي مطلع 2020، والانتصارات الانتخابية التي يحققها اليمن الأوروبي في أكثر من دولة، وآخرها فوز حزب "أخوة إيطاليا" الذي تقوده جورجيا ميلوني، وهي تحمل توجهات قومية راديكالية متقدمة، وتنطلق من البيئة ذاتها التي ترعرعت فيها الفاشية في النصف الأول من القرن الماضي.

 

الانجذاب العالمي نحو الانقسام العمودي الذي حدث على خلفية الحرب في أوكرانيا؛ يسير من دون إبطاء، ولا يبدو أن دولاً أساسية ومؤثرة على المستوى الدولي قادرة على تجاهل حالة الانقسام هذه أو التعايش معها لفترة طويلة. ومحاولات الصين التعامل مع روسيا كحليف سياسي فقط، من دون أن تُعلن تحالفاً عسكرياً معها، لا يمكن أن تعيش طويلاً، لأن بكين تحتاج لروسيا في صراعها مع الولايات المتحدة حول تايوان، وهي غير قادرة على الفصل التام بين مصالحها التجارية مع الغرب، وبين خلافها السياسي والعسكري مع الولايات المتحدة في الشرق الأقصى.

 

ومن التوترات الساخنة التي نتجت من الحرب في أوكرانيا، يأتي ملف حماية الممرات المائية الدولية، وكذلك خطوط إمدادات النفط والغاز في العديد من مناطق العالم، وهو ملف حساس وفي غاية الأهمية، ويهدد استقرار العديد من الدول والقارات. وقد سلّط التفجير الذي استهدف خطي نورد ستريم – 1 ونورد ستريم – 2 الضوء بقوة على هذا الخطر، خصوصاً بعدما اتهمت روسيا علناً الولايات المتحدة بالوقوف وراء هذا التفجير، ولكنها لم تقدم دليلاً حسياً يؤكد هذا الاتهام. كما أن قرار منظمة الدول المصدرة للنفط وحلفائها (أوبك +) تخفيض إنتاج النفط بمعدل مليوني برميل يومياً، يأتي من ضمن التشعبات التي نتجت من الحرب في أوكرانيا، رغم تأكيد مجموعة الدول العربية العضو فيها، أن هذا التدبير لا علاقة له بما يجري في أوروبا، وهذه المجموعة لا تتموضع إلى جانب أي من المعسكرين المتقابلين، والخطوة ليست إعلان حرب اقتصادية ضد الولايات المتحدة الأميركية كما قال الرئيس جو بايدن.