Advertise here

بعد مشهدية بكركي... لا خوف على مصالحة الجبل

17 أيار 2019 10:49:59

مصالحة الجبل التي جددّها في مماته، وكرّسها في حياته، تبقى النموذج الذي يحتذى. ولأن مثله لا يموتون، فلن تموت المصالحة، التي كانت شاهدة على المسار الأخير لبطريرك الإستقلال نصر الله صفير. أثبت جبل كمال ووليد جنبلاط أنه جبل الوفاء. جبل في الجنوب عماده المختارة، وجبل لجهة الشمال عموده بكركي، وبتشاركهما يشكلان جناحي لبنان. لم يكن مشهد بكركي غريباً عن دورها في احتضان لبنان واللبنانيين، تماماً كما هو دور المختارة على مر السنوات. إذ تفتح الدار أبوابها لأبناء لبنان أنى كانت توجهاتهم.

 

شيء من لبنان أعيد إحياؤه في مشهدية وداع البطريرك نصر الله صفير، لكأنه نفخ في هذا اللبنان من روحه. روح، لطالما استجمعت اللبنانيين على مبادئ السيادة والحرية والإستقلال، فكانت إنتفاضة أحرار وثورة أرز، أسست للبنان الحرية، ولبنان العيش المشترك بعيداً عن أي اختلاف سياسي، لأنه يدخل في إطار اللعبة الديمقراطية وقواعدها.

 

يغادر البطريرك صفير، في لحظة مفصلية من تاريخ لبنان. على أبواب مئوية الكيان، والتي كان وليد جنبلاط قبل سنوات قد ركز أنظاره عليها لاستكشاف الخرائط الجديدة التي قد ترسم في ذكرى ولادة لبنان الكبير، خصوصاً بعد كل التطورات التي شهدتها المنطقة، ولبنان ليس بعيداً عنها. فتشييع صفير تزامن مع اختتام الموفد الاميركي ديفيد ساترفيلد لزيارته إلى لبنان ولقائه المسؤولين للبحث بترسيم الحدود الجنوبية، وبحسب المعلومات التي رشحت فإن ثمة بوادر إيجابية حول مساعي الترسيم، قابلة لإحراز تقدّم على هذا الصعيد، بعد توحيد الموقف اللبناني حول تكامل الترسيم بين البرّ والبحر.

 

خطوة ترسيم الحدود، تبقى نقطة أساسية من النقاط التي طرحتها إنتفاضة الإستقلال، وطالب صفير بإنجازها، تماماً كما هو الحال بالنسبة إلى الإستراتيجية الدفاعية، والتي يتجدد الحديث الدولي حولها خاصة مع زيارة قائد الجيش جوزيف عون إلى الولايات المتحدة الأميركية، والضغوط الدولية على لبنان للشروع في إنجاز تلك الإستراتيجية مقابل الحصول على المزيد من الدعم للجيش اللبناني.

 

وكم تحتاج مصالحة الجبل، إلى توسيع إطارها، لتحقيق المصالحة مع الذات، ليس في السياسة والحدود فقط، بل في الإدارة والمؤسسات، لا سيما في غمرة الإنهماك بالبحث عن موازنة تقشفية، والشروع في إنجاز إصلاحات جذرية لمكافحة الفساد بعيداً عن الإقتراب من جيوب الموظفين وذوي الدخل المحدود. بكى لبنان بالأمس البطريرك نصر الله صفير، لكن سيبكي أحواله وأهواله يومياً في ظل عدم تحقيق الإنجازات المالية والإدارية. والبكاء يتخذ أشكالاً عديدة، من وجع مرضى على أبواب المستشفيات، إلى صرخات الشبان على أبواب "الإسكان المقفل"، ومن الإضرابات التي ينفذها الموظفون والمعلمون، إلى ازمات الكهرباء والماء والنفايات. لبنان على أبواب مئويته، بحاجة إلى ورشة إصلاحية شاملة، إقتصادياً وإدارياً وإجتماعياً، لطالما عمل صفير على الإهتمام بها من خلال مجامع عديدة متخصصة عقدها سابقاً.