Advertise here

تركيا وإسرائيل تترقبان الانسحاب واستقالات ترفض القرار

25 كانون الأول 2018 06:05:00

 لا تزال أسرار وتداعيات القرار الأميركي الانسحاب السريع من سوريا، تتفاعل وتتكشف تدريجيا، فبعد استقالة وزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس الذي كشف في خطاب استقالته عن خلافاته السياسة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومع أجندته الخارجية والأمنية، والتي أدت إلى رحيله، قدم مبعوث الولايات المتحدة إلى التحالف الدولي الذي يقاتل داعش، بريت ما كغورك، استقالته احتجاجاً على قرار سحب القوات الأميركية من سوريا، وكان ما كغورك قبل 11 يومًا فقط، قال "إن اعتبار (داعش) قد مني بالهزيمة أمر متهور، وسيكون سحب القوات الأميركية أمراً غير حكيم"، حسب ما نقلت وكالة أسوشيتدبرس.

كما أن المفاجأة التي عبر عنها عدد من المسؤولين الإسرائيليين، تجاه هذه الخطوة، والتي دفعت رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى القول بأنه "سيعيد قراءة الموقف نتيجة الفراغ الذي سيحصل، ودراسة أمن إسرائيل، وإعادة تفعيل الدور الإسرائيلي في سوريا "، تؤكد أن خطوة الرئيس دونالد ترامب المتسرعة، شكلت إرباكاً لدى الجميع، فإذا كانت دولة إسرائيل ذات الحظوة الأميركية، لم تكن مهيأة لمثل هذه الخطوة، حيث سمع المسؤولون العسكريون الإسرائيليون قبل أسبوعين تطمينات أميركية تقول بأن القوات الأميركية باقية في سوريا، وفجأة تحول الموقف إلى عكسه، ما يستدعي ذلك إلى البحث في الدوافع الإقليمية المباشرة التي تقف خلف هذه الخطوة، سيما وأن صحيفة واشنطن بوست الأميركية كشفت في عددها الصادر أمس الأحد من مقتطفات جاءت في المكالمة الهاتفية بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، في 14 كانون الأول الجاري، والتي قالت الصحيفة إنها شكلت السبب المباشر الذي أدى إلى صدور قرار الانسحاب من سوريا.

وتقول الصحيفة إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان "كرر على مسامع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في المكالمة الهاتفية، ما سبق وقاله في لقائهما بقمة العشرين بشأن "عجزه عن فهم سبب استمرار الولايات المتحدة في تسليح ودعم المقاتلين الأكراد السوريين لشن حرب برية ضد داعش".

وقال أردوغان إن داعش، بحسب ما يقول ترامب نفسه، قد هُزم. و"أن الجيش التركي قوي بحيث يمكن أن يتولى أي جيوب مسلحة متبقية. لماذا لا يزال هناك حوالي 2000 جندي أميركي هناك؟"، في إشارة إلى المنطقة الواقعة شرق الفرات في سوريا.

فقال ترامب "أتعلم؟ هي (سوريا) لك، سأغادر".

ويأتي ما نشرته "واشنطن بوست" متوافقاً مع ما نشرته صحيفة "حرييت" التركية، ووكالة أسوشيتدبرس والذي أكده الرئيسان بشكل متزامن، في تغريدات وبيانات صدرت عنهما، تضمنت تفاصيل المكالمة الهاتفية التي جرت بينهما والتي تؤكد المخاوف الإسرائيلية، والكردية، وتشرع أبواب العملية العسكرية التركية المنتظرة نحو منبج، والتي وضعت على جدول أعمال مشترك لدبلوماسيين وعسكريين أميركيين وأتراك في واشنطن، في الثامن من كانون الثاني المقبل، حيث سيناقش الاجتماع ترتيبات ما بعد الانسحاب من سوريا، وكيفية تأمين الحدود السورية التركية، ومن ضمن الأفكار المطروحة على الطاولة الاجتماع ، "حصول تركيا على شريط آمن بعرض 20 و30 كيلومتراً شمالي سوريا، بمحاذاة الحدود من جرابلس إلى الزاوية السورية - التركية – العراقية".

وبموازاة ذلك، يتم تفكيك نقاط المراقبة الأميركية التي أُقيمت قبل أسبوع في تل أبيض وعين العرب (كوباني) ورأس العين، مع إبعاد وحدات حماية الشعب الكردية عن الحدود.

مما لا شك فيه أن تحسن العلاقات الأميركية التركية، على المستويين الأمني والعسكري، وخاصة ما يتعلق بوقف شراء منظومة الصواريخ الروسية (أس 400)، واستبدالها بمنظومة الصواريخ الأميركية (باتريوت) بقيمة تساوي 3 أضعاف قيمة الصواريخ الروسية، فالمنظومة الروسية تبلغ قيمتها مليار ونصف المليار دولار، بينما يبلغ ثمن منظومة الصواريخ الأميركية 3 مليارات ونصف مليار دولار، أدت إلى هذا التغيير المفاجئ في التكتيك الأميركي، وعلى طريقة الرئيس ترامب، دون أن يؤثر ذلك على الاستراتيجية الأميركية في المنطقة، حيث إنه ثمة تفاهمات عميقة أميركية – روسية على المستوى الأمني في سوريا، وهذه التفاهمات لا يمكن أن تتم دون التنسيق مع تركيا وإسرائيل، فهذه القوى الثلاث (روسيا – تركيا – إسرائيل) تعتمد عليها واشنطن وعلى أدوارها في سوريا في الفترة المقبلة.

لذلك فإن خطوة الانسحاب الأميركي من شمال سوريا هي فاتحة دورة عنف جديدة في بلاد الشام، إلى جانب الدورة السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة لناحية تشكيل اللجنة الدستورية المعنية بصياغة الدستور الجديد للبلاد.

أما بخصوص الدور الإيراني في سوريا، فإن مصادر دبلوماسية متابعة ومترقبة للحدث الأميركي، ترى أنه ومنذ تصاعد الخلاف السياسي والإعلامي بين واشنطن وطهران، ومنذ لحظة إعلان البيت الأبيض فرض العقوبات على إيران، فإن مفاوضات سرية انطلقت بين البلدين ولم تنقطع لا في عُمان أو في قطر أو في جنيف، وهذا سيناريو سبق أن لعبه الطرفان خلال مفاوضات مجموعة دول (5+1) حول الملف النووي، "حيث كانت المفاوضات الإعلامية تعقد في جنيف فيما الاتفاقات الفعلية كانت تعلن من اللقاءات الثنائية الأميركية – الإيرانية في عُمان".

لذلك فإن رصد التحولات في الساحة العراقية والساحة اللبنانية والساحة اليمنية، يدل بدرجة من الدرجات على أن المفاوضات السرية الأميركية – الإيرانية الموازية للعقوبات أثمرت في مجالات محددة، وسمحت أيضاً للرئيس ترامب أن يخطو هذه الخطوة، وهو على درجة من الثقة بأن عبارة (دعهم يتقاتلون) ودعهم ينفذون أهدافنا دون أن تلوث أمريكا أيديها، أو تدفع المزيد من التضحيات والأموال من أجل الآخرين لازالت قابلة للتنفيذ.

تشكل المسألة الكردية وقضية حزب العمال الكردستاني أولوية أساسية لدى تركيا، التي تعتبر أن قوات سوريا الديمقراطية قد تشكل تهديداً لأمنها ولاستقرارها، ومن أجل ذلك أطلقت عملية درع الفرات، وتستعد اليوم لإطلاق خطتها الجديدة (عملية منبج)، وبالتالي ومن خلال ما كشفته صحيفة واشنطن بوست فإن هدف الانسحاب الأميركي هو تعظيم للدور وللنفوذ التركي في الشمال السوري، من جهة وفي ذلك إعادة خلط لموازين القوى في سوريا، وثانياً انتزاع الاعتراف الرسمي من القوى الأساسية اللاعبة في سوريا بهذا الدور.

لقد كان الموقف الأميركي هو العائق الرئيسي الذي واجهته تركيا في تحقيق أهدافها، حين لجأت واشنطن إلى تسليح الأكراد وحمايتهم واستخدامهم في الحرب ضد داعش في العراق وسوريا، قبل أن تتخلى عنهم لصالح الدور التركي وفق التفاهمات الجديدة بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب، والتركي رجب طيب أردوغان.
 
لذلك فإن إعادة تعظيم الدور التركي في سوريا، بالتزامن مع إعلان نتنياهو إعادة النظر بالدور الإسرائيلي في سوريا وتفعيله، تحت ذريعة أمن إسرائيل وسد الفراغ الناجم عن الانسحاب الأميركي، ستكون سوريا والمنطقة أمام آليات عنفية جديدة، ستؤدي إلى تداعيات خطيرة لن تقف عند حدود الستاتيكو الراهن.

فآليات العنف قد تستدعي تحريك قوى وتنظيمات مثل (داعش) وغيرها، وبالتالي إطلاق دورة عنف جديدة، تحقق من خلالها إسرائيل وتركيا وإيران، أهدافاً متناقضة، قد لا تستسيغ روسيا لهذا الاشتباك الثلاثي، ولا للنفوذ والسيطرة التي سيحققها على أجزاء مختلفة من الأراضي السورية، ما يجعل الموقف الروسي في حالة من الصعوبة في إحداث توازن في هذا المثلث وفي استثمار هذا التوازن لدى واشنطن.

لذلك بعد الانسحاب الأميركي من سوريا، سنكون أمام حالة مفتوحة من الصراع، لا ندري إلى أين تصل، وكم من الدماء ستسيل على الأرض السورية.