Advertise here

لبنان باقٍ.. والأهم: الحفاظ على الحريات وحقوق الإنسان

05 تشرين الأول 2022 16:29:27 - آخر تحديث: 05 تشرين الأول 2022 16:49:49

في السنة الثانية بعد المائة لإعلان "دولة  لبنان الكبير" في الأول من أيلول سنة 1920، ووسط الأجواء المعقدة وغير العادية، وغير الطبيعية، التي يعيشها  لبنان، وعلى الأخص سياسياً، ورئاسياً، وحكومياً، ومعيشياً، تكثر التكهنات حول إذا كان "لبنان الكبير" قد انتهى... أو هو يكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة.. وحول ما إذا كان الكيان اللبناني مهدداً بالزوال!!!.

"لبنان الكبير" أعلنه المندوب السامي  الفرنسي،  الجنرال  غورو،  في الأول  من أيلول  سنة 1920 من قصر الصنوبر الشهير في بيروت، وعن يمينه البطريرك الماروني، إلياس الحويك، وعن يساره مفتي الجمهورية  اللبنانية السنّي، الشيخ مصطفى نجا. وهو  في حدوده الحالية المعترف بها من الأمم المتحدة، ومن جامعة الدول العربية التي كان  لبنان  من مؤسّسيها الأوائل، ومن المتمسّكين  بميثاقها  الذي نصّ على اتّخاذ  القرارات والتوصيات بالإجماع، وليس بالأكثرية منذ سنة 1945.

هل لبنان مهدّدٌ بالزوال حقيقة وفعلا؟!

الجواب بالتأكيد هو بالنفي القاطع...

و"المعلّم" الشهيد كمال جنبلاط كتب وأكّد في غير مناسبة ومجال: أنّ لبنان ليس "قالب سكّر" أو "قالب ملح" حتى يذوب ويتلاشى ويتبخّر... بل أنّ لبنان الذي نعرفه ونريده هو هذه الروح المعنوية، هذه التقاليد الحيّة السليمة. هذه المزايا والصفات الخلقية التي أبرزها كفاح ثمانية أجيال، وآلام لا تُحصى، وجهاد أبطال وشقاء أبطال، واستشهاد عشرات الألوف ومئات الألوف.. هذه الروح المعنوية الرفيعة. هذه التقاليد، هذه المزايا هي في دمنا وحياتنا، وفي حقيقة لبنان، وهي حقيقة وجوهر سرّ نضال هذا الشعب عبر العصور قبل أن يتذوّق ترّهات انجذابات المدنيّة ويكاد يفسد، وقبل أن تستهويه بعض العصبيّات الطائفية الانتهازية المقيتة..

وقال "المعلّم" الشهيد كمال جنبلاط: معظم اللبنانيين يجهلون، أو يتجاهلون، تاريخ بلادهم: إمّا لأنهم لم يتعلّموه في المدارس، وإمّا لأنهم تلقوه على غير حقيقته، ففقد روعته وجوهر اتّجاهاته. وإمّا لا تعلق في ذهنهم المكتئب إلّا هذه المرحلة من سيرتنا التي تعتبر في الحقيقة نكسة عابرة، أو مؤامرة سافرة على البلاد . والكثرة  قد لا ترى الوطن- الملجأ يستضيفه المضطرون والضعفاء والمشردون من مختلف الأقوام والعقائد... ولا نقول الأجناس.

وعن النضال الاستقلالي لشعبنا قال "المعلّم"الشهيد: "الذي ينحني، ولو إلى حين، على صفحات النضال الاستقلالي المستمر الذي كتبه أمراء "الغرب" والبلاد من آل تنوخ، ثم المعنيّون، والشهابيون والعائلات والعشائر التي تعاونت وتضافرت معهم، وارتكز إليها كفاحهم  في وجه الفرنجة والعثمانيين، ومختلف جيوش الولاة المرتزقة، ومن ثم الفرنسيّين، يدرك أنّ لبنان كان على مرّ سبعماية إلى ثمانماية سنة من التاريخ الذي طغى فيه الأعاجم على حضارة العرب وسلطانهم، كان مرتكز انطلاق الحركة التحررية الاستقلالية، وموطن الكفاح والطموح والقوة، ومستقر النهضة العربية في الحقلين الأدبي والسياسي... يوم كان لبنان بدون وجه ولا صفة، لأنّه كان كله هذا الوجه وهذه الصفة.. وهكذا يجب ان يعود".

 وشدّد "المعلّم" كمال جنبلاط على الخلق اللبناني الذي اشتهر به أبناء هذا "الجبل الأبيض"، فقال: "كأنّ هذا الوطن عائلة واحدة، أو مجموعة من العائلات... أو هكذا على الأقل نشعر نحن الذين يقطنون هذا الجزء من لبنان... هذا الجبل الأبيض على حد التعبير القديم الذي لعب دوره التاريخي - التحريري في مقابل الجبل الأسود في البلقان، وعلى ضفة المتوسط الشمالية، وأنّ الصفات الأساسية التي كوّنت الخلق اللبناني، والطبع اللبناني، والتصرّف اللبناني، كانت ولا تزال قائمةً وحيّة: ثقة بالنفس وبالمصير.. وشرف وشهامة وصدق في التعامل، وأمانة وحفاظ على الكرامة، ورفعة واعتزاز وحشمة.

عندما نعود إلى أصالتنا وتاريخنا الحقيقي يتأكد لنا أنّ لبنان مستمر وباق في أداء رسالته... وأنّ الأهم من  مجرد البقاء والاستمرارية هو الحفاظ على الحريات الخاصة والعامة، والتمسّك بحقوق الإنسان الأساسية: حق المواطن اللبناني في العيش بحرية وكرامة ومساواة في الحقوق والواجبات، وعدالة اجتماعية تحفظ لجميع المواطنين حقهم في العلم والعمل والكرامة الإنسانية، والطبابة والاستشفاء، والمسكن الخ.... فالحرية هي في النهاية كالحق والعدالة لا تقاس ولا توزن... وليس على المستوى الحضاري كمٌّ وعددٌ وإحصاء.

إنّ شهداءنا، شهداء الشعب  اللبناني، كل شهدائنا، بذلوا حياتهم من أجل أن يكون لبنان وطناً للإنسان، لا حانوتاً للعصبيات. وأنّ استمرار العبث بحق اللبنانيين في العيش بحرية وكرامة انسانية هو  جريمة لا تغتفر... وهي تستحق ليس المحاكمة والمساءلة  وحسب بل "السحل" على الطريقة التي "سحل" بها شعب العراق رئيس حكومته، نوري السعيد، والوصي على العرش عبدالإله، والملك القاصر فيصل الثاني، بعد ثورته المظفّرة صبيحة  السابع عشر من شهر  تموز سنة 1958، بقيادة جيشه البطل وقائده الرئيس عبد السلام عارف، وقد التقيناه  أكثر من مرة في بغداد".

ولبنان  اليوم  أمام  مرحلة مصيرية دقيقة: لبنان يحتاج إلى حكومة قادرة ومنتجة. ولبنان  في حاجة إلى رئيس جمهورية  جديد يؤمن الانتقال  من مرحلة البؤس والشقاء  والفقر المدقع التي فُرضت على اللبنانيين: مرحلة الكيد والإلغاء، ونحر الدستور والقوانين، إلى مرحلة احترام الدستور نصاً وروحاً *، واحترام استقلال القضاء، وإعادة بناء نظام  الجمهورية البرلماني  الديمقراطي، الذي أرسى أساساته دستور الطائف. النظام الذي يحقّق للبنانيين الوطن الحر السيّد المستقل، والدولة العادلة القادرة على تأمين الرخاء والكرامة الوطنية والوحدة الوطنية الشعبية التي تضمن الحفاظ على الحريات الخاصة والعامة للمواطنين، وتحصّن الانصهار الوطني المنشود، المقرون بالعدالة الاجتماعية الاقتصادية الانسانية المعمول بها في العالم المتحضّر الذي يحفظ كرامة الإنسان، وحقوقه الأساسية المعترف بها دولياً.

 لبنان باقٍ، ويجب أن يبقى: الوطن الرسالة، والوطن المثال... وطن الحق والحقيقة والكرامة الإنسانية والقيم الروحية... وطن العدل والعدالة والمساواة، والحريات الخاصة والعامة المحترمة والمصانة... وبكلمة وطن حقوق الإنسان أولاً وأخيراً.

*المدير المسؤول في جريدة "الأنباء"