Advertise here

ما هي دوافع عودة تركيا بقوّة إلى السّاحة الليبيّة؟

05 تشرين الأول 2022 08:56:13 - آخر تحديث: 05 تشرين الأول 2022 08:57:09

أحدثت زيارة وزير خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو العاصمة الليبية طرابلس في الثاني من تشرين الأول (أكتوبر) دوياً سياسياً كبيراً، وفاجأت الأوساط المتابعة للشأن الليبي، خصوصاً أنها تضمنت توقيع عدد من الاتفاقيات تخص التنقيب عن النفط والغاز، وفي المجالات الصناعية والزراعية والعسكرية، بما في ذلك وضع برنامج لتدريب القوات العسكرية لحكومة عبد الحميد الدبيبة على استخدام الأسلحة الجديدة والطائرات المُسيّرة.

 

يُعتبر التدخل التركي الجديد في الشؤون الليبية على هذا المستوى الرفيع؛ قراراً استراتيجياً لأنقرة، وخلفه دوافع سياسية ومالية شديدة الأهمية، ذلك أن تركيا كانت قد التزمت الاتفاقيات التي تمت في مؤتمرات المصالحة التي عقدت برعاية أممية في برلين وتونس والمغرب في عام 2020، وتمحورت حول تثبيت وقف إطلاق النار وسحب القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا، وتأليف مجلس سيادي وحكومة وحدة وطنية، تنتهي مهمتها بعد إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية التي كانت مقررة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2021 (لكنها لم تحصل). وتخلّت تركيا في حينها عن حليفها رئيس الوزراء السابق فايز السراج، والتزمت سحب قواتها من طرابلس وضواحيها.

 

من الواضح أن الاستدارة التركية المتجددة في ليبيا لا تأتي من فراغ، بل إنها مبنية على معطيات سياسية وعسكرية ومالية. وهي تترافق مع أزمة خانقة يعانيها الاقتصاد التركي، وقد وصل التضخّم إلى مستويات قياسية غير مسبوقة، وليبيا يمكن أن تكون واحة استثمار مفيدة لتركيا، لا سيما في مجال النفط والغاز. وإعادة إحياء الاتفاقية التي وقعتها أنقرة مع حكومة فايز السراج في عام 2019 حول ترسيم الحدود الاقتصادية الخالصة، والتي لحظت تواصلاً جغرافياً بحرياً بين البلدين، تعيد لها حضوراً فاعلاً في منطقة شرق البحر المتوسط، رغم اعتراض قبرص واليونان ومصر على هذه الاتفاقية، وعدم اعتراف الأمم المتحدة بها، لكونها غير مصادق عليها من البرلمان الليبي المنتخب، وفقاً لما ينص عليه قانون المعاهدات.

 

أما الأسباب السياسية التي شجعت أنقرة على هذه الخطوة الكبيرة؛ فهي بالتأكيد استغلالها لحظة الانشغال الأوروبي في حوادث أوكرانيا، خصوصاً فرنسا وألمانيا اللتين كانتا شريكتين فعليين لأنقرة في تفاهم برلين 2020، وهما ألزما تركيا بسحب قواتها من طرابلس بعد التفاهم مع الولايات المتحدة وروسيا ومصر التي شاركت في رعاية المصالحة بين الفصائل الليبية المتقاتلة.

 

والواضح أن شيئاً من الاختلاف حصل بين تركيا وروسيا أخيراً، جراء اعتراض موسكو بقوة على العملية التركية التي كانت ستستهدف احتلال شريط بعرض 30 كلم على طول الحدود الشمالية لسوريا، كما أن التفاهم الذي جرى بين أنقرة وواشنطن على قبول عضوية السويد وفنلندا في حلف الناتو، وبعد جفاء طويل؛ شجع تركيا على توسيع رقعة تدخلاتها الإقليمية، لأنه أمَّن لها غطاءً استراتيجياً تحتاجه على الدوام لمواجهة المضايقات الدولية لطموحاتها.

 

وجاءت الاندفاعة التركية الجديدة باتجاه ليبيا بعد زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان أنقرة، والبيان المشترك الذي صدر بعد المباحثات بين الجانبين؛ أشار إلى تفاهم على عدد من الملفات الإقليمية، وعلى تعزيز التعاون بين واشنطن وأنقرة في المجالات العسكرية، بما في ذلك تفعيل المفاوضات حول صفقة طائرات أف – 16 الحربية المتطورة، والتي أوقفت الولايات المتحدة تسليمها لتركيا، بسبب التعاون الذي حصل بعد عام 2015 بين أنقرة وموسكو، خصوصاً في المجال العسكري والذي وصل إلى حد تزويد الجيش التركي بصواريخ أس – 400 للدفاع الجوي، والتي تعتبر الأكثر حداثة في الترسانة العسكرية الروسية.

 

الخطوة التركية باتجاه ليبيا ستخلط الأوراق، داخل ليبيا وخارجها، ذلك أن رئيس البرلمان الليبي المنتخب عقيلة صالح اعتبر توقيع الاتفاقيات بين وزير خارجية تركيا جاويش أوغلو ونظيرته الليبية نجلاء المنقوش غير دستوري، لأن المنقوش تنتمي إلى حكومة عبد الحميد الدبيبة المنتهية الصلاحية، لكون تأليفها نص على أن عمرها محدد بتاريخ 20 كانون الأول (ديسمبر) 2021 موعد تنظيم الانتخابات في ليبيا. أما رئيس الحكومة الليبية الثانية التي تبسط سلطتها على كامل المناطق الشرقية والجنوبية فتحي باشاغا؛ فقد رفض الاتفاقية بين حكومة الدبيبة والحكومة التركية، لأنه يعتبر الدبيبة مغتصباً للسلطة في طرابلس، وحكومته هو هي التي تتمتع بالشرعية الدستورية التي منحها إياها برلمان طبرق المنتخب. ومن الجدير بالذكر أن باشاغا كان وزيراً للداخلية في حكومة فايز السراج، ومعروف بتعاطفه مع تركيا ومع "جماعة الإخوان المسلمين"، وما حصل اليوم من احتضان تركيا لحكومة أخصامه، يؤكد أن المصالح المالية والسياسية عند الدول الكبرى – كتركيا - لها الأولوية على الحسابات العقائدية، أو أن الثانية تستخدم كشعارات لتحقيق المنافع الاستراتيجية لمثل هذه الدول.

 

أما الأبعاد الدولية الأساسية للخطوة التركية، فهي استغلال الانشغال الأوروبي بالهموم الناتجة من الحرب الأوكرانية، وتعبئة فراغ استراتيجي تركه الغياب العربي، ولتقوية الأوراق التفاوضية لتركيا مع اليونان، ومع قبرص ومع مصر بشأن الملفات النفطية، وكذلك لتعزيز حضورها في أي مفاوضات مستقبلية حول تحقيق مصالحة جديدة بين الأطراف الليبية.