Advertise here

التبعات الجيوستراتيجية لاتفاقية الترسيم على حزب الله وإسرائيل

04 تشرين الأول 2022 07:23:41

أسئلة كثيرة وأفكار متشعبة تبرز أمام أي مراقب لملف ترسيم الحدود البحرية والاتفاق المرتقب. 
لبنانياً، الاتفاق مقبول وهناك استعجال لتوقيعه. ويحرص لبنان على تسليم الردّ المكتوب على الاقتراح الأميركي خلال هذا الأسبوع، وسط إصرار على توقيع الاتفاق قبل نهاية ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون. 
أما في اسرائيل، فإن حكومة يائير لابيد مصرة على انجاز الاتفاق. ولكنها تتعرض لضغوط قاسية بسبب حسابات انتخابية. 

فرنسا وقطر
هنا تبدأ الأسئلة بالتواتر، هل حقق لبنان انتصاراً؟ أم أن حزب الله هو الذي حقق الانتصار السياسي، فيما لبنان سلك مساراً آخر يقود إلى التنازل عن الخطّ 29 لحسابات ذات بعد استراتيجي بالنسبة إلى الحزب، وذات بعد سياسي ومصلحي بالنسبة إلى المسؤولين الآخرين في الداخل؟ هل ستبرز فيما بعد مشكلة الخط 29 ويطالب حزب الله -بظروف معينة- بتحرير ما تبقى من مساحات بحرية؟ وما هي علاقة إنجاز الاتفاق بإعادة تحرك المفاوضات الإيرانية الأميركية حول الملف النووي، وحول تبادل السجناء وتحرير أموال إيرانية، ورفع نسبة التصدير الإيراني للنفط؟ كل هذه الأسئلة لا يمكن الإجابة عليها حالياً بجزم، لا بد من الانتظار والترقب.

ولكن لا بد من تسجيلها كملاحظات للمرحلة اللاحقة. وبداية، تسلم لبنان المقترح الأميركي بالوقت نفسه الذي توصل فيه الإيرانيون والأميركيون إلى اتفاق تحرير السجناء وتحرير أموال إيرانية، برعاية دولة ذات علاقات مشتركة بين الطرفين. فيما لبنانياً، لعبت دولتان دوراً أيضاً للوصول إلى الاتفاق إلى جانب أميركا، هما فرنسا ودولة قطر.
يأتي ذلك على وقع عدم الاتفاق على تجديد الهدنة في اليمن، وتحقيق إيران صفقة تبادل السجناء وتحرير الأموال، مقابل تحصيل واشنطن وإسرائيل لاتفاق الترسيم البحري مع لبنان. فهل يكون هذا مقابل ذاك؟ فيما هدنة اليمن تعرقلت بسبب عدم تقديم السعوديين لأي تنازل أو مكسب للأميركيين، خصوصاً بما يتعلق بأسعار النفط ورفع الإنتاج؟

تطبيع غير معلن
في الخلاصة، ثمة مقترح أميركي على الطاولة، في سياقاته العميقة والبعيدة هناك تطبيع غير معلن. النقطة الأولى ترتبط بدفع شركة توتال مبالغ مالية كتعويض للإسرائيليين بدلاً من الغاز المستخرج من الجزء الجنوبي من حقل قانا. هذا هو التطبيع غير المعلن، ما سيكون له تأثير على أكثر من ملف بين لبنان واسرائيل. وهو ما سيتأثر به حزب الله حتماً. النقطة الثانية اعتراف لبناني غير معلن بالحدود الإسرائيلية إنطلاقاً من خط الطفافات. أما النقطة الثالثة فهي بدء استخراج اسرائيل للغاز من حقل كاريش، بينما يبدأ لبنان البحث التقني مع شركة توتال لبدء التنقيب. كل هذه النقاط لها تبعات جيوستراتيجية على العلاقة بين لبنان والعدو الإسرائيلي.

مخاطر التعثّر
حجم الضغوط في الداخل الإسرائيلي ضد حكومة لابيد من شأنه تصعيب المهمة، كما يصبح الوضع مشابهاً للاتفاق النووي، بعد تهديد نتنياهو بعدم الالتزام بالاتفاق مع لبنان والانسحاب منه فيما بعد. ما سيعيد إحياء مشهد الانقسامات. وهنا تتضارب وجهات النظر حول انعكاس ذلك على المسار العام، وإذا ما سيحصل تطور عسكري أم أن وجود الشركات والعمل والتنقيب والإستخراج هو بحدّ ذاته سيكون عنصراً موفراً للاستقرار. ولكن في حال أنجز الاتفاق، سيستخدم الحزب ذلك ليعلن أنه صاحب الفضل في فرضه وتوقيعه. أما في حال رفض الإسرائيليون المقترح على وقع الضغوط، فسيخرج الحزب ليعلن أن اسرائيل غير جاهزة لذلك. هذا سيضع الحزب مجدداً أمام تحدّي الردّ العسكري وتنفيذ تهديداته.

على أي حال، الاتفاق له مفعول تمديد شرعية الحزب وفق حسابين، عسكري وسياسي. في الحساب العسكري، سيعتبر حزب الله أن سلاحه وقوته ومعادلة الردع هي التي أنتجت الاتفاق، وبالتالي لا مجال للتخلي عنه، خصوصاً أن مهمته المستقبلية ستكون حماية عمليات التنقيب والإستخراج والتصدير، بالإضافة إلى دوره في حسم الترسيم البري. أما سياسياً، فأيضاً الحزب سيستثمر في هذا الاتفاق بالسياسة الداخلية أولاً، وعلى صعيد العلاقة مع المجتمع الدولي ثانياً، من خلال القول لهذه القوى إن الحزب قادر على الانخراط في تسويات أو اتفاقيات عندما تتوفر المتطلبات اللازمة، وأنه أيضاً قابل للالتزام بمعادلة الاستقرار، طالما الشروط التي يراها مناسبة متوفرة.