يقف لبنان على بعد أيام من انتهاء العهد الثالث عشر، عهد ميشال عون، ليفتح صفحة عهد جديد مع انتخاب خلف له، ومن المرتقب أن يكون لبنان على موعد مع كتابة تاريخ جديد بعد الانهيار الاقتصادي والاجتماعي غير المسبوق عالمياً، والذي سيستدعي إجراءات وازنة ستكون عبارة عن إعادة هيكلة الدولة ومؤسساتها وقطاعاتها.
انتهى عهد عون، الذي طُبع بأحداث "ستخلّده" في التاريخ، كما كان ثمّة أحداث خلّدت عهود سابقة. ولا شك أن أبرز هذه الأحداث كان انفجار مرفأ بيروت، وهو ثاني أضخم الانفجارات غير النووية على مر التاريخ. إضافة إلى ذلك، الانهيار المالي والاقتصادي وتدهور قيمة العملة كانت أيضاً أمور طبعت صورة عهد عون.
وانطلاقاً من هذا السياق، تستعرض جريدة الأنباء" الالكترونية العهود السابقة وأبرز الأحداث التي حصلت، والبداية من عهود ما قبل اتفاق الطائف، التي شهدت على ثورات وتحديات وحروب غيّرت وجه لبنان:
بشارة الخوري 1946 - 1952
كان بشارة الخوري أول رئيس للبنان، وطبع الاستقلال عن الانتداب الفرنسي عهده، فانتظمت السلطات بعدما سلّمتها فرنسا للبنان، وبدأ الحكم اللبناني. شكّل آنذاك بشارة الخوري ورياض الصلح ثنائية متجانسة في موقعي الرئاستين الأولى والثانية، وباتت مثالاُ يُحتذى به، خصوصاً وأن الرجلين رجلا الاستقلال. إلّا أن العهد انتهى بثورة سلمية شعبية، سُمّيت بـ"الثورة البيضاء"، قادها بشكل أساسي المعلم الشهيد كمال جنبلاط، بسبب الفساد الذي تفشّى وكان عرّابه شقيق رئيس الجمهورية، سليم الخوري، أو الملقّب بالسلطان سليم، من جهة، ونيّة التمديد للرئيس نفسه.
كميل شمعون 1952 - 1958
خلف كميل شمعون بشارة الخوري، على إثر الاتفاق الذي عُقد بين الأول وكمال جنبلاط، وقضى بسعي الأخير لإيصال شمعون إلى سدّة الرئاسة. كان شمعون رجل دولة، فعمل لصالح المؤسسات ودعم الاقتصاد الوطني حتى باتت الليرة اللبنانية قوية، وصارت البلاد مقصداً للمتموّلين والسيّاح، كما شهد عهده انفتاحاً كبيراً على الغرب وقيمه.
لكن ترافق عهده مع صعود جمال عبد الناصر والقومية العربية التي كان كمال جنبلاط أبرز المؤمنين بها، والحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي والغرب، فاتخذ شمعون طرفاً إلى جانب الحلف الغربي (حلف بغداد الذي ضم بريطانيا، إيران، باكستان، العراق وتركيا) بمواجهة عبد الناصر، مما أدّى إلى إقحام لبنان في الصراع، وكان ساحة لمواجهات عسكرية تمثّلت بما يُسمى بثورة الـ58 التي قادها كمال جنبلاط أيضاً، فاندلعت مواجهات في العديد من المناطق، وأنزل الأميركيون عسكرهم على الشواطئ اللبنانية، وانتهى العهد بطبعة دموية.
فؤاد شهاب 1958 - 1964
بعد كميل شمعون، وصل فؤاد شهاب إلى الرئاسة، وهو أول رجل عسكري يصل الى قصر بعبدا. كان شهاب رجل دولة ومؤسسات بامتياز، وبعهده تأسست العديد من الإدارات وتطوّر عمل الدولة بشكل كبير حتى بات لبنان بلداً متقدماً في الشرق الأوسط نسبةً لانتظام المؤسسات في عهد شهاب.
سياسياً، اعتمد على مبدأ الحياد، لا شرق ولا غرب، لعدم رغبته في إقحام لبنان بصراعات إقليمية ودولية تفادياً لسيناريوهات سابقة حصلت في عهد شمعون، وفي هذا السياق، يُذكر لقاء الخيمة الشهير الذي عقده شهاب مع عبد الناصر عند الحدود اللبنانية السورية في خيمة، حفاظاً على سيادة لبنان ولعدم جرّه إلى محور دون آخر.
تقدّم شهاب باستقالته قبل انتهاء عهده، رغبةً منه في إفساح المجال لشخصيات جديدة للوصول إلى رأس السلطة، إلّا أنه ما لبث أن عاد عنها بعد إصرار سياسي وشعبي على استمراره في الحكم، لكنه رفض التمديد رغم الإرادة التي أيّدت وطالبت بمواصلة عمله في موقعه. لم يشكّل شهاب تحدياً لأحد، بل كان رئيساً وسطياً جامعاً عمل لصالح الدولة فقط، ولم تكن لديه أي طموحات سياسية.
شارل حلو 1964 - 1970
العهد الرابع كان من نصيب شارل الحلو، الذي سار على خطى فؤاد شهاب، واستمر بالعمل لأجل المؤسسات، فاعتمد أيضاً مبدأ الحياد، وقد يكون الحدث الأبرز الذي حصل في عهده وكان له تبعاته، توقيع اتفاقية القاهرة، التي منحت الفدائيين الفلسطينيين حق العمل العسكري المسلّح في جنوب لبنان، وما تبع هذه الاتفاقية من تداعيات.
سليمان فرنجية 1970 - 1976
وصل سليمان فرنجية إلى سدّة الرئاسة بفارق صوت وحيد عن منافسه الياس سركيس، وكان كمال جنبلاط هو صاحب الصوت التفضيلي آنذاك.
كان فرنجية ركناً من أركان الجبهة الوطنية اللبنانية التي ضمّت أبرز القادة المسيحيين، بيار الجميل وكميل شمعون. يُطبع عهده بالحرب الأهلية التي بدأت في العام 1975، قبل سنة وحيدة من انتهاء فترة ولايته.
لم يفلح فرنجية في أي من مساعيه لوقف الحرب، لا سيما وأنه كان طرفاً فيها إلى جانب الجبهة اللبنانية وليس حكماً، فطالبته الحركة الوطنية آنذاك بالاستقالة، لكنه رفض وأصر على إكمال ولايته حتى اليوم الأخير. إلّا أن ضغوط الحرب دفعته للموافقة على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، على أن يستمر في الحكم حتى نهاية العهد، ويتسلّم الرئيس الجديد في الموعد المحدد له، وليس بوقت أبكر، وهذا ما حصل مع انتخاب الياس سركيس.
الياس سركيس 1976 - 1982
وصل سركيس إلى سدّة الحكم في أصعب مرحلة من تاريخ لبنان، مع بداية الحرب الأهلية في لبنان. ورث عن سلفه حرب السنتين التي استمرت حتى العام 1977.
انصب عمل سركيس على التواصل بين الأطراف المعنية بالحرب لوقفها، خصوصاً على خط بيروت دمشق، فنجح مبدئياً في وقف الاشتباكات لفترة من الوقت، إلى جانب مساعي أخرى خيضت حينها، لكنها عادت واندلعت وتأجّجت مع الأحداث التي استجدت، بين اغتيال المعلم كمال جنبلاط، إخفاء الإمام موسى الصدر والاجتياح الإسرائيلي الأول في العام 1979.
استمر في محاولات التوسّط بين الأطراف طيلة سنوات عهده وتقمّص دور "أبو ملحم" دون أن ينجح، ولكن يُحسب له حياده ومحاولاته ألا يكون طرفاً. وفي هذا السياق، كان سعيه على الصعيدين الإقليمي والدولي لعقد القمم والمؤتمرات بهدف إنهاء الحرب، إلّا أن مساعيه لم تبلغ الأهداف.
وسُجّلت في عهده نقطة سوداء تمثّلت بمحاولته خرق الأعراف وتسمية مسيحي لرئاسة الحكومة، وفي التفاصيل، وقبل انتهاء العهد، صمّم سركيس على الاستقالة لفشله في مهمته، لكنّه طلب قبل تقديمها من رئيس الوزراء سليم الحص تقديم استقالته أيضاً من موقعه بهدف تسمية رئيس حكومة مسيحي، لعدم تسليم الحكم إلى شخصية سنية (وفق رواية الحص في كتابه "زمن الأمل والخيبة") وإبقاء الصلاحيات الرئاسية بيد المسيحيين، إلّا أنه عاد عن قراره وأكمل عهده فسلّم بشير الجميل.
بشير الجميل 1982 - 23 يوماً
خلف بشير الجميل سركيس، ولكنه ما لبث أن اغتيل بعملية نفّذها حبيب الشرتوني الذي ينضوي في صفوف الحزب القومي السوري الاجتماعي.
أمين الجميل 1982 - 1988
مع اغتيال شقيقه بشير، جرى التواصل مع أمين الجميل لتولّيه سدّة الرئاسة بدل أخيه، وكان ذلك ما حصل، وطُبع عهده باتفاق 17 أيار 1983 مع إسرائيل، الذي أسقطه الحزب التقدمي الاشتراكي وحركة أمل بعد معارك شرسة مع القوات الإسرائيلية التي وصلت إلى بيروت وجبل لبنان بعد اجتياح العام 1982.
في عهده، برز اسم ميشال عون الذي وصل إلى قيادة الجيش. ومع انتهاء عهده، كان الفراغ محتّماً، فقرر الجميل تسمية عون لتشكيل حكومة عسكرية، على اعتبار أن عون مسيحي ماروني، لعدم تسليم الحكم لرئيس الوزراء سليم الحص أيضاً، وكان ذلك ما حصل، إلّا أن الحص رفض الاستقالة أو الانصياع لرغبة الجميل، فعاش لبنان في ظل حكومتي الحص وعون، إلى أن اندلعت حرب التحرير وترك عون قصر بعبدا متوجّهاً نحو المنفى.