Advertise here

جوهرة الشّرق

30 أيلول 2022 20:20:38 - آخر تحديث: 30 أيلول 2022 20:50:09

 


أكثر من مئة عام مرّوا على قيامة لبنان الكبير. مئة عام كانت كفيلة بجعل لبنان جوهرة متألّقة وسط باقي الدّول،  من حيث التّنوع وقدرة التّعايش رغم اختلاف المعتقدات والمبادئ بين اللّبنانيين ككلّ. وبالرّغم من تميّز
 لبنان عن سائر الدّول العربيّة من ناحية تعّدد الطّوائف والمذاهب،
إلّا أنّه
 أسيء استعمال هذا التميّز، عوضاً أن يكون سلاح قوّة بوجه تحديّات ?لعصر، كان نقطة ضعف هدّمت جوهرة الشّرق وجعلت منه ساحة حرب طائفيّة مولِّدة العديد من المشاكل والأزمات.

فما القضايا المتعلّقة بمسألة التّعايش والتّنوّع في لبنان؟هل العلمانيّة هي الحلّ؟ ما هي التّحديّات التي تعيق تطبيق العلمانية في المجتمع اللّبنانيّ؟ ما الإضافات الّتي يمكن العلمانيّة تحقيقها خصوصا فيما يتعلق بحقوق الإنسان والمرأة؟ هل لبنان وبروكسل متشابهان؟!

"لبنان بلد التّعايش والتّنوّع!" مقولة تردّدت على مسامعنا كثيرًا. فلبنان يحتضن تحت جناحه ثماني عشرة طائفة،  ويؤمن بحرّيّة المعتقد وحرّيّة ممارسة الشّعائر الدّينيّة على مختلف أنواعها. فأضحى الدّين يشكّل ركيزة أساسيّة في المجتمع اللّبنانيّ كما قال الإعلاميّ والكاتب السّياسيّ محمد علوش في مقالته "آن الطّائفيّة أن تسقط في لبنان"، "أصبح اللّبنانيّ يعاني حالة مرضيّة مستفحلة، فهو يولد طائفيًّا، ويفكر طائفيًّا، ويتصرّف طائفيًّا، ويحزن  طائفيًّا، ويخاف طائفيًّا، ويتزوّج طائفيًّا، ويموت طائفيًّا."  

فالطّائفيّة في لبنان أساس العيش، والقاعدة الثّابتة في الحياة السّياسيّة والاجتماعيّة والثّقافيّة والاقتصاديّة. وكما ذكرت سابقًا لا المنظومة الحاكمة ولا المجتمع اللّبنانيّ أدركوا كيفيّة الإستفادة من هذا التميّز بشكل إيجابيّ. فأضحت الطّائفيّة أداة حادّة تستعمل لتفريق اللّبنانيّين وتحريضهم. فكلّ شيء في جوهرة الشّرق يكون مرجوعه طائفيًّا. 

على سبيل المثال: إذا أردت أن تتوظّف في أيّ وظيفة في إدراة الدّولة، أو المؤسّسات الأمنيّة، أو شركة خاصّة، أو حتَّى في مطعم!  يجب أن تحصل على واسطة سياسيّة طائفيّة لكي يتمّ قبولك في الوظيفة. وأيضا إذا أردت أن تقدّم على امتحانات القضاة، كتاب العدل، أو المحاماة يجب أن تحصل على واسطة سياسيّة قويّة ليتمّ اختيارك. فإنّهم لا يهتمّون لكفاءة الفرد بل إلى انتمائه السّياسيّ والطّائفيّ. ذلك على أساس نسب التّوزيع الطّائفيّ للوظائف. فيتمّ اختيار غير المؤهّلين للوظيفة الّذين يملكون واسطة، ويرفضون أصحاب الكفاءة . ومن ثمّ يسألون: لمَ انتشر مرض الفساد في لبنان ؟! وما سبب كلّ هذه الأزمات الاقتصاديّة والاجتماعيّة؟


فتتهدّم جوهرة الشّرق، جوهرة الفنّ والجمال، جوهرة جبران وفيروز وصباح ونصري شمس الدّين. وتتراكم الأزمات يومًا بعد يوم لنصبح نحن على ما نحن عليه الأن. فمن مقولة "لبنان بلد التّعايش و التّنوّع" إلى مقولة "لبنان بلد الأزمات والنّزاعات والحروب ". ولكن بالرّغم من كلّ التّفرقة الطّائفيّة إلّا أنّ الشّعب للّبنانيّ منفتح على بعضه ومنفتح على العالم الخارجيّ، فإنّه لا يفرّق بين درزيّ أو مسيحيّ أو مسلم. فهو يعتبر أنّنا كلّنا أبناء وطن واحد وأرض واحدة. وأكبر مثال على ذلك حاددثة 4 آب حيث تضامن الشّعب أللّبنانيّ ككلّ و سارع لمساعدة الضّحايا ولم يفرّق أحدًا عن أحد، فكان الشّعب اللّبنانيّ من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه  إلى غربه يدًا واحدة بوجه ظلم الحكّام الفاسدين. اعتمادًا على ما سبق، معظم مشاكل لبنان هي بسبب إدخال الدّين بمسألة الدّولة، إن كان من النّاحية السّياسيّة أو الاقتصاديّة أو الدّوليّة. فمن منظوري الخاصّ الحلّ الوحيد للبنان هي العلمانيّة.

مبدأ العلمانيّة هو فصل الدّين عن الدّولة ومؤسّساتها، وعن السّلطة السّياسيّة، و عدم إجبار أيّ مواطن على اعتناق دين أو معتقد معيّنة لأسباب ذاتيّة غير موضوعيّة، وكما أنّها تكفل الحقّ في عدم اعتناق دين معيّن كدين رسميّ للدّولة. كما يجب عدم إشراك المؤسّسات الدّينيّة بالقرارات البشريّة ولاسيّما السّياسيّة والأقتصاديّة منها. خدوا لبنان مثالًا على ذلك . ونحن في خضمّ الأزمة، السّلطة الحاكمة لا تسأل إلا عن الحصص، وكيف سيتمّ تمثيل الطّوائف عوضا أن تقوم بحلول جدريّة للأزمة الخانقة في جوهرة الشّرق. فصاحبة هذه الأسطر تؤمن أن الحلّ الأنسب لجوهرة الشّرق هي العلمانيّة المعتدلة الّتي لا تعلن العداء للأديولوجيّة الدّينيّة، وتمنح الحرّيّة للممارسات الدّينيّة دون المسّ بالحرّيّات الأخرى، وعدم التّفريق بين شخص وآخر أو دين وآخر. فمن الضّروري أن يكون هناك مساواة بين كلّ الأديان وبين الرّجل والمرأة. وأيضا يجب تقديس حقوق الإنسان عامّة المرأة والطّفل خاصّة . فلمَ العلمانيّة المعتدلة ؟ الجواب بسيط وسهل لأنّه لا يمكن العلمانيّة أن تعيش في لبنان إذا سعت لمحاربة الدّين ببلد يتشبّط بالعادات والتّقاليد الدّينيّة. 

فالإنتقال إلى حالة وطنيّة علمانيّة، حيث المساواة في العدل الإقتصادي والإجتماعي بين جميع الفئات وحيث يتمّ اختيار الموظّفين في كلّ القطاعات حسب الكفاءة والاختصاص والوجدان الوطنيّ أمر صعب، وتحقيقه ليس بالأمر السّهل، فهناك الكثير من العوائق والتّحدّيات في المجتمع اللّبنانيّ. نستعرض أهمّها : تشبّت السّلطات الدّينيّة بالشؤون المدنيّة والسّياسيّة والقضائيّة فضلاً عن مراوغة بعض السّياسيّين بالمحافظة على مكتسباتهم وصلاحيّاتهم المكتسبة من نظام الطّائف، وأيضاً مخاوف بعض الطّوائف من إنعدام التّوازن وخسارة حقوقهم وصلاحيّاتهم. لكن يبقى أكبر عائق هو جهل المواطنين تجاه موضوع الحكم العلمانيّ واعتقادهم أنّ العلمانيّة غير صالحة للبنان، لأنّ أصل لبنان قائم على الطّائفيّة السّياسيّة غير مدركين أنّ كلّ النّزاعات الّتي حصلت مند الاستقلال إلى الآن كانت الطّائفيّة سببها والتّوازنات الطّائفيّة. وإذا كانت غير صالحة لكلّ البلدان فهي صالحة للبنان بحكم تنوّعه الدّينيّة والثّقافيّ وتراكم الأزمات فيه. فالدّولة العلمانيّة هي دولة غير طائفيّة، دولة حقوق المواطن بغضّ النّظر عن طائفته. 

فجوهرة الشّرق برغم من اختلافها عن سائر الدّول العربيّة والأجنبيّة إلّا أنّ هناك وجه شبه وحيد بينها وبين بروكسل من ناحية تعدّد الطّوائف والمذاهب. فالحكومة البلجيكيّة تعترف رسميًّا بالكثير من الأديان، و ينصّ دستورها على حرّيّة الدّين والإعتقاد. كما أنّ الحكومة تحترم هذا التّنوّع إيجابيًّا ولم تسمح بالتّفرقة. ومن أجل المحافظة على هذا الامتياز وعدم تدنيسه لجأت إلى نظام علمانيّ تتبلور فيه الحرّيّات وتحفظ به الكرامات. بالرّغم من كلّ التّحدّيات والأزمات والمحاولات لتهديم لبنان إلّا أنّه سيبقى جوهرة متألّقة تلمع كنجمة في سماء العالم. على امل  بغد أفضل ومستقبل مشرق. فيبقى السّؤال هل العلمانيّة قارب نجاة لبنان؟