Advertise here

ما هي قصة "حرب القرم" التي استذكرها جنبلاط في تغريدته؟

24 أيلول 2022 14:59:39

بعد ستة أشهر على الحرب الروسية على أوكرانيا وتحولها من عملية عسكرية محدودة كما أطلق عليها الكرملين، إلى حرب بالواسطة بين الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية من جهة، وروسيا من جهة أخرى، وبدأت تفرض تداعيات خطيرة على الأمن الغذائي العالمي وممرات الموارد الغازية والنفطية المستخدمة في انتاج الطاقة، وفي الوقت الذي تضاعف مستوى التصعيد العسكري والسياسي والخوف من استخدام السلاح النووي الذي أعلنت موسكو إنها قد تستخدمه للدفاع عن أمنها ووجودها شبه رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط في تغريدة له الحرب الروسية- الأميركية بأزمة الصواريخ الكوبية بين الاتحاد السوفياتي السابق والولايات المتحدة الأميركية في ستينيات القرن الماضي والذي وصلت حدود التوتر بسببها إلى حد التهديد باستخدام السلاح النووي.

 كما استذكر في السياق عينه حرب القرم التي انهزمت فيها روسيا بوجه الدولة العثمانية وفرنسا وبريطانيا عام1853- 1856.

وجاء في تغريدته:‏ "العالم اليوم على شفير هاوية شبيهة بأزمة الصواريخ في كوبا عام 1962. وحرب اوكرانيا تذكرني بحرب القرم في القرن التاسع عشر، بفرق أن السلاح النووي اليوم اذا ما استعمل سيمحي البشرية. لذلك الخطابات العالية لا تنفع وحده الحل السياسي الذي يضمن وجود أوكرانيا ووحدة روسيا هو البديل ‎أوكرانيا".

في هذا السياق أعدت "الأنباء" ملخص تاريخي عن حرب القرم وأسبابها ونتائجها.

وقعت هذه الحرب بين الإمبراطورية الروسية والدولة العثمانية في 4 تشرين الأول 1853م، واستمرت حتى آذار 1856 م. ودخلت فيها مصر وتونس وبريطانيا وفرنسا إلى جانب الدولة العثمانية عام 1854م التي كان قد أصابها الضعف وعرفت بـ (الرجل المريض)، ثم لحقتهم مملكة سردينيا التي أصبحت فيما بعد مملكة إيطاليا.

 تعود أسباب تلك الحرب إلى الأطماع الإقليمية التوسعية لروسيا القيصرية على حساب الدولة العثمانية وخاصة في شبه جزيرة القرم التي كانت مسرح المعارك والمواجهات، والتي انتهت في 30 مارس 1856م بتوقيع اتفاقية باريس وهزيمة الروس بعد نحو عامين من الحرب الشرسة التي سقط ضحيتها أكثر من مليون روسي ومئة ألف فرنس و25 ألف بريطاني وفق دائرة المعارف البريطانية، والعودة إلى حدود ما قبل الحرب، بما فيها انسحاب روسيا من ولايتي الأفلاق والبغدان، وكذلك حماية فرنسا للأماكن المقدسة الكاثوليكية والأرثوذوكسية في فلسطين.
 
أسباب حرب القرم
اندلعت حرب القرم نتيجة الخلاف حول رعاية وحماية كنيسة القيامة وسائر المقدسات المسيحية في القدس؛ فبموجب الامتيازات والاتفاقيات العثمانية تتولى فرنسا والكنيسة الكاثوليكية مهام الحماية والرعاية في الأماكن المقدسة؛ غير أن ما طرأ من فوضى في فرنسا إبان الجمهورية الثانية، مكّن روسيا والكنيسة الأرثوذكسية من إدارة قسم من الأملاك بحكم الأمر الواقع دون معارضة السلطنة العثمانية.
 
وحين غدا نابليون الثالث امبراطورًا على فرنسا، طالب بالامتيازات القديمة وأقر السلطان العثماني عبد المجيد الأول له بالأمر في 6 شباط 1852، ما أثار اعتراض روسيا. ومع انسداد أفق الحل السياسي بين القوى النافذة في أوروبا لا سيما بعد انهيار اتفاق فيينا، أمر القيصر الروسي نيكولاي الأول قواته باحتلال ولايتي الأفلاق والبغدان، وهما ولايتين عثمانيتين في أوروبا الشرقية ذاتا أغلبية مسيحية أرثوذكسية؛ فبدأت الاشتباكات الروسية - العثمانية في 3 تشرين ثاني 1852 وتزامن ذلك مع سيطر العثمانيون على قلعة القديس نيكولا في الجانب الروسي من الحدود القفقاسية.
 
بدء الحرب
بدأت الحرب العثمانية الروسية في (3 تموز 1853م)، وكان مسرحها الأول في أوروبا في منطقة البلقان، حيث قام حوالي 35 ألف جندي روسي باحتلال رومانيا التي كانت تابعة آنذاك للدولة العثمانية، وأبلغت روسيا الدول الأوروبية أنها لن تدخل في حرب شاملة ضد الدولة العثمانية، وأن ما فعلته إجراء وقائي لحين اعتراف السلطان العثماني بحقوق الأرثوذكس في كنيسة القيامة في القدس، وأنها سوف تنسحب فور هذا الاعتراف، لكن ذلك أقلق كل من فرنسا وبريطانيا ووجها إنذارا شديد اللهجة الى روسيا طالبين منها الانسحاب من الإمارتين لتهديدها حركة الانتقال عبر نهر الدانوب، ومنحاها مهلة زمنة لذلك تنتهي في آذار 1854.

قامت الدولة العثمانية وروسيا بحشد قوات ضخمة على جبهات القتال، وعلى جبهتي الدانوب والقوقاز، واستطاع القائد العثماني عمر باشا أن يلحق هزيمة كبيرة بالروس على نهر الدانوب، وأن يدخل رومانيا. كما ساند الزعيم الشيشاني الإمام شامل القوات العثمانية أثناء القتال ضد الروس في منطقة القوقاز.

أرادت الدولة العثمانية دفع بريطانيا وفرنسا إلى دخول الحرب بجانبها، ودبرت إرسال مجموعة من قطع الأسطول البحري العثماني القديمة إلى ميناء "سينوب" على البحر الأسود، وهي تدرك أن هذه السفن لابد أن يهاجمهما الروس، وبالفعل هاجم الروس هذه السفن وتم إغراقها جميعا، وتمكنت روسيا من تدمير الأسطول العثماني في واقعة سينوب يوم 30 ايلول 1853 حيث قتل حوالي ألفي جندي عثماني، أثارت هذه المعركة قلقا كبيراً في الأوساط الباريسية واللندنية، وحذرت الصحافة في العاصمتين من الخطر الروسي.

عرض الإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث الوساطة لإنهاء القتال بين العثمانيين وروسيا، إلا أن القيصر الروسي رفض ذلك، خاصة بعد انتصارات عمر باشا في رومانيا، وقال نيكولاي الأول: "أشعر أن يد السلطان على خدي".
 
لم يعر القيصر الروسي اهتمامه للوساطة الفرنسية، ولم يكترث للمهلة الزمنية التي منحاها له الفرنسين والبريطانيين، فعرض نابليون الثالث الاتفاق مع بريطانيا ضد القيصر، وقبلت لندن العرض بحماسة شديدة، وسحبا سفيريهما من مدينة سانت بطرس برغ الروسية في 6 شباط 1854 م، وفي 12 آذار 1854 م، تم عقد معاهدة إستانبول بين الدولة العثمانية وبريطانيا وفرنسا، ونصت على ألا تعقد أي دولة الدول صلحا منفردا مع روسيا، وأن يتفاهم قادة الدول الثلاث في الحرب ضد روسيا، وأن تكون الوحدات الإنجليزية والفرنسية والسفن التابعة لهما في إستانبول خاضعة للقوانين العثمانية. 

أعلنت فرنسا وبريطانيا الحرب على روسيا في 27 آذار 1854 م، ونشبت معارك ضخمة على جبهات القتال التي عرفت بحرب القرم. إلا أن أهم هذه المعارك كانت معركة سيفاستوبول التي خاضتها الدول الثلاث للقضاء على القوة البحرية الروسية في البحر الأسود، حيث القاعدة العسكرية لروسيا في شبه جزيرة القرم (حاليا في أوكرانيا) واستمرت المعركة قرابة العام، قتل خلالها حوالي 35 ألف قتيل، وعدد من القادة الكبار من كلا الجانبين، حتى انتهى الأمر بسيطرة الدول الثلاث على الميناء في 9 أيار 1855م.

في هذه الأثناء توفي القيصر الروسي نيكولاي الأول، وخلفه في الحكم ابنه ألكسندر الثاني الذي شعر بعدم قدرة بلاده على مواصلة الحرب، فقرر التفاوض للسلام، خاصة بعد المذكرة التي تقدمت بها النمسا لروسيا وحذرتها من أن دولاَ أوروبية أخرى قد تدخل الحرب ضدها. 
 
معاهدة باريس
مع حرص فرنسا على إنهاء الحرب وجني ثمار النصر، احتاجت بريطانيا إلى استراتيجية لضمان قبول الروس نزع السلاح من البحر الأسود والتسوية الأوروبية للمسألة العثمانية. فحشدت القوات البحرية لشن هجوم على كرونشتاد - سان بطرسبرغ لدعم مطالب الحلفاء، وفي أوائل عام 1856 قبلت روسيا المبادرة النمساوية الفرنسية ووقعت على معاهدة باريس التي انهت الحرب.
بموجب معاهدة باريس الموقعة في 30 آذار من عام 1856 أعادت روسيا جنوب بيسارابيا ومصب نهر الدانوب إلى الدولة العثمانية، ووُضعت مولدافيا ووالاشيا وصربيا تحت ضمان دولي وليس روسي، كما وعد السلطان العثماني باحترام حقوق رعاياه المسيحيين، وتم منع الروس من الحفاظ على أسطول بحري في البحر الأسود أو إعادة تحصين بومارسوند.

شهدت حرب القرم أول تغطية إعلامية ميدانية مثلها مراسل صحيفة التايمز ويليام هوارد راسل الذي أرسل برقيات مباشرة من الخطوط الأمامية، كما شهدت أول استخدام عسكري للعديد من الابتكارات مثل السفن الحربية المدرعة، والتكتيكات النابليونية وحسنت من نوعية الأسلحة، وشددت على الأهمية القصوى للوجستيات، والتحصينات، والقوة النارية، كما استخدم فيها التلغراف الكهربائي العابر للقارات، والألغام البحرية، والتصوير الفوتوغرافي للحرب. حيث سارع الخبراء الأميركيون في ذلك الوقت إلى زيارة شبه جزيرة القرم ونشروا تقريرا كاملا عن "فن الحرب في أوروبا" في عام 1861 قبيل اندلاع الحرب الأهلية في بلادهم.