Advertise here

أمواج الانتخابات الإسرائيلية والمشاكل اللبنانية تهدد الترسيم بالغرق؟

24 أيلول 2022 07:23:51 - آخر تحديث: 24 أيلول 2022 10:32:56

هل يصل اتفاق ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل إلى خواتيمه قريباً، أم أنه سيتحول إلى شبيه بالاتفاق النووي، ما إن يتحقق التقدم حتى تبرز عقبات جديدة؟

غاز شرق البحر المتوسط
كل المؤشرات والمواقف المعلنة تشير إلى إيجابية وتقدّم في الملف، وسط إصرار أميركي على إبرامه قبل نهاية الشهر الحالي. إذ تريد واشنطن توقيع الاتفاق كي لا يحصل أي طارئ بعد الانتخابات الإسرائيلية. وبحال فاز بنيامين نتنياهو فقد ينقلب على ما يطرحه أو يوافق عليه يائير لابيد. يتخذ هذا الملف أهمية ذات بعد استراتيجي، إلى جانب كونه ملفاً داخلياً في لبنان كما في اسرائيل. والتنافس الانتخابي داخل كيان العدو يمكنه أيضاً أن يطيح بالاتفاق أو التوقيع. في المقابل، فإن الغاز في شرق البحر المتوسط يمثل أهمية استراتيجية للولايات المتحدة وللاتحاد الأوروبي. فهما لا يريدان أي تصعيد، ويمارسان أقصى أنواع الضغوط على تل أبيب ولبنان -وحزب الله ضمناً- لمنع حصوله، خصوصاً أنه في ظل رسائل التهديد التي نقلها الحزب إلى الأوروبيين مؤخراً، حول رفض استخراج تل أبيب للغاز من حقل كاريش طالما أن لبنان ممنوع من التنقيب، كانت كردّ على رسائل أوروبية مفادها أن استهداف حقل كاريش يعني استهدافاً لأوروبا. وهذا سيؤدي إلى ممارسة ضغوط كبيرة على الدول الأوروبية لتصنيف الحزب بشقيه السياسي والعسكري كمنظمة إرهابية. 


الخلافات اللبنانية

وكما هو حال الخلافات والصراعات في الداخل الإسرائيلي، فإن الخلافات اللبنانية تجددّت ولكن بخجل وحذر، حول من يريد ربط الترسيم البحري بالترسيم البري، أو بين من يوافق على المنطقة الآمنة في البحر التي يطالب بها الإسرائيليون ومن يرفض هذا الاقتراح. هذه الخلافات بالإمكان معالجتها، إلا أن أسبابها تبدو فيها بعض من الحسابات الشخصية، فيما ثمة من يعتبر أن أسباب الخلافات تعود إلى رفض توقيع الاتفاق وإنجازه في عهد الرئيس ميشال عون. ولذلك برزت بعض الخلافات في وجهات النظر أو بعض الحساسيات في نيويورك بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ونائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب، لا سيما أن ميقاتي أراد أن يقول إنه رئيس الحكومة وشريك في القرار ولا بد من توقيعه أيضاً.

في كل الأحوال تبقى هذه الخلافات تفصيلية، وإن كانت قادرة على إعاقة الاتفاق، إلا أن الأساس يبقى في جعبة الأميركيين القادرين على ممارسة الضغوط لإقناع الجميع، في حال توفرت الظروف. وعليه ينتظر لبنان الاتفاق النهائي المكتوب خلال أيام.
وكان لبنان قد أبلغ الأميركيين الموافقة على المنطقة البحرية الآمنة بمساحة 23 كلم مربع في البحر، بشرط أن تكون تحت سيادته. وبناء عليه، لا بد من انتظار الموقف الإسرائيلي، فيما تقول مصادر متابعة إن المشكلة المتبقية تتعلق بالنقطة B1. 

خط الانطلاق والنقطة B1

هذا لا بد أن يكون مرتبطاً بالاقتراح الأخير الذي حمله الوسيط الأميركي لملف ترسيم الحدود آموس هوكشتاين حول "الخطّ الأزرق البحري"، أو ما يعرف بخطّ "العوامات". وهي عبارة عن إشارات وضعها الإسرائيليون في العام 2000 عند انسحابهم من لبنان، ويطالبون باعتبار هذا الخط هو منطقة أمنية اسرائيلية. هذا الخطّ يأتي شمال الخط 23 الذي يطالب لبنان بترسيم الحدود وفقه، بينما ينص الاقتراح الإسرائيلي على الابتعاد لمسافة 5 كيلومترات عن الشاطئ باتجاه البحر، ما يعني أن الخطّ يبدأ من الخطّ الإسرائيلي رقم 1 بدلاً من أن ينطلق من رأس الناقورة، أي النقطة B1، ويمتد هذا الخط لمسافة 6 كيلومترات باتجاه البحر وبعدها يتعرج شمالاً باتجاه الخطّ 23، وذلك لفصل الترسيم البري عن البحري.
وقد تسلم لبنان قبل أيام هذه الإحداثيات الخاصة بخط العوامات ويعمل فريق تقني بالجيش على دراستها وتسليمها للسلطة السياسية، التي هي ستتخذ القرار النهائي بشأنها، وتسليمها لهوكشتاين، الذي بناء عليها سيعمل على إعداد المقترح المكتوب ويسلمه للبنان خلال أسبوعين. هنا تقول مصادر متابعة إن حزب الله يرفض كلياً تكريس خط العوامات، ويعتبره مساس بالسيادة اللبنانية لأنه يطال منطقة رأس الناقورة والنفق القديم لسكّة الحديد المثبتة لبنانياً.

فصل الترسيم البري

تطالب اسرائيل بتثبيت خطّ العوامات لأسباب أمنية كما قال هوكشتاين، فيما الهدف الأساسي -حسب مصادر لبنانية متابعة لملف الترسيم- أبعد من ذلك ويهدف إلى السيطرة على مساحة بحرية يكون لها تأثير على الترسيم البرّي، لأن تثبيت نقطة B1 اللبنانية سيكون له انعكاس على ترسيم الحدود البرية. وعندها سيكون لدى لبنان مستند رسمي يؤكد أن مزارع شبعا لبنانية. وبحال تم الانطلاق من النقطة B1 باتجاه البرّ فإن هذا الخط سيطال مستوطنات إسرائيلية في إصبع الجليل، وسيطالب لبنان الإسرائيليين الانسحاب منها. 

وخط العوامات هو خط بحري، يريد الإسرائيليون فصله عن الترسيم البري، ولا يمكن بناء العوامات إلا على عمق 5 كيلومترات في البحر، والهدف منها بالنسبة للإسرائيليين هو توفير حماية أمنية لصالحهم وحماية المنتجعات في ساحل عكا.
يقوم الجيش اللبناني بدوره في هذا المجال من خلال إعداد الدراسة التقنية للخط المقترح. وحسب ما تقول مصادر عسكرية، فإن لإسرائيل هدفين منه، الأول توفير الحماية الأمنية. والثاني، عدم ارتباط الترسيم البحري بالترسيم البرّي، أي عدم ربط الخط 23 بالنقطة B1، وهي آخر نقطة برية في رأس الناقورة. خصوصاً أن إسرائيل ترفض أن ينطلق الترسيم البري اللبناني من النقطة B1، وهي إحدى النقاط المهمة العالقة في عدم التفاهم على ترسيم الحدود البرية، لأن الموافقة الإسرائيلية عليها ستدفع لبنان لاحقاً إلى المطالبة بالسيادة على مستوطنة مسكاف عام في إصبع الجليل، وسيكون لها أيضاً تأثير على ترسيم مزارع شبعا وتلال كفرشوبا. إذ سيكون لدى لبنان ورقة قوة للمطالبة باسترجاع المزارع. وتضيف المصادر إن المسؤولين اللبنانيين وبحال موافقتهم على هذا الاقتراح، فسيشترطون وجود نص مكتوب يشير إلى أن الموافقة على خطّ العوامات لا ينسحب على الترسيم البرّي، وهناك فصل بينهما، كي يضمن لبنان الإنطلاق في الترسيم البرّي لاحقاً من النقطة B1.

مشكلة حقيقية

حول النقطة B1 تقول مصادر متابعة، إن الإسرائيليين يرفضون الموافقة عليها. وهناك مشكلة حقيقية حول هذه النقطة منذ سنوات عندما كانت هناك محاولات للترسيم البرّي، لأن اسرائيل تحاول فرض أمر واقع معين لعدم منح لبنان هذه النقطة، خصوصاً أنها استراتيجية ومطلّة على مواقع أساسية في داخل الأراضي الإسرائيلية. بينما يستند لبنان في تثبيته لتلك النقطة على اتفاقية بوليه-نيو كامب التي رسمّت الحدود عام 1923 خلال وجود البريطانيين في فلسطين، وهي التي تم تثبيتها مجدداً في اتفاقية الهدنة الموقّعة عام 1949.
لتجنب الخلاف والتصعيد هناك بروز لاقتراح ينص على عدم ترسيم الحدود ولكن السماح للبنان بالبدء بالتنقيب في حقل قانا، مقابل استمرار إسرائيل العمل على استخراج الغاز من حقل كاريش. وبذلك يتم تأجيل البت بملف الترسيم إلى مرحلة لاحقة، فيما العمل بالتنقيب داخل لبنان يكون قائماً.