اختتم قادة "منظمة شنغهاي للتعاون" أعمال قمّتهم الـ 22 التي انعقدت في مدينة سمرقند في أوزبكستان، مؤكّدين عزمهم على مواصلة العمل لمكافحة الإرهاب، ومشدّدين على رفضهم القيود التي تهدّد الاقتصاد الدولي. وعلى الرغم من الظروف الاستثنائية التي انعقدت فيها القمة - والتي تطغى عليها أجواء الحرب العسكرية الروسية في أوكرانيا وتطوراتها الدراماتيكية الأخيرة، والتوتر المتصاعد بين الولايات المتحدة والصين على خلفية الأزمة التايوانية، واشتداد الحملات السياسية والإعلامية التحريضية في الدول الغربية ضد روسيا والصين - فإنّ البيان الختامي للقمة كان عادياً ولم يتضمن أي إشارة مباشرة تتعلق بالولايات المتحدة أو روسيا أو الصين، إذ أكّد البيان أنّ دول المنظمة تعارض الإجراءات والقيود التي تهدّد الاقتصاد العالمي، وتعمل على تعزيز نظام تجاري متعدّد الأطراف قائم على مبادئ وقواعد منظمة التجارة العالمية.
وأشار البيان إلى أنّ التوصّل إلى تسوية في أفغانستان من شأنه أن يسهم في تعزيز الأمن في منطقة منظمة شنغهاي للتعاون، كما تم الاتفاق في نهاية القمة على أنّ الهند ستتولى الرئاسة الدورية لمنظمة شنغهاي للتعاون في دورتها 2022 - 2023.
القمة التي انعقدت على مدى يومي الخميس والجمعة الماضيين، 15 و16 أيلول، جمعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الصيني شي جين بينغ مع قادة الدول الأعضاء في المنظمة (الهند وباكستان وأربع دول في آسيا الوسطى)، إضافةً إلى رئيسَي إيران وتركيا، وشهدت على هامشها لقاءات ثنائية بين العديد من القادة، ومن ضمنها محادثات مباشرة هي الأولى بين بوتين وشي منذ أن شنّت القوات الروسية حربها على أوكرانيا في 24 شباط الماضي. وقد سعى الرئيسان الروسي والصيني إلى حشد قادة آسيا خلف ما يمكن اعتباره "نظاماً دولياً" جديداً يهدف إلى تحدّي النفوذ الغربي.
فالرئيس الصيني قال متوجهاً بكلامه إلى القادة المجتمعين إنّ، "الوقت حان لإعادة تشكيل النظام الدولي، والتخلي عن المعادلات الصفرية والسياسات القائمة على تشكيل كتل". وأضاف أنّه "يجب على قادة العالم العمل معاً لدعم تنمية النظام الدولي في اتّجاه أكثر إنصافاً وعقلانية"، فيما أشاد الرئيس الروسي بازدياد "نفوذ الدول غير المحسوبة على الغرب"، مندّداً بما وصفه "أدوات الحمائية والعقوبات غير القانونية والأنانية الاقتصادية". وقال: "دور مراكز القوى الجديدة التي تتعاون مع بعضها البعض.. يزداد وضوحاً". لكن سرعان ما برزت التصدّعات داخل القمة حيث قال رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، للرئيس الروسي إنّ الآن، "ليس وقت" إشعال نزاع في أوكرانيا، كما اندلعت مواجهات حدودية عنيفة بين "قوات قيرغيزستان وطاجيكستان العضوتين في المنظمة، والتي كان زعيما البلدين حاضرَين في القمة".
الصين، صاحبة المبادرة في إنشاء المنظمة قبل توسّعها على هذا النحو المضطرد والذي عدّل من أهدافها الاستراتيجية الطموحة جداً، والتي تتجاوز الحق في الدفاع عن سيادتها الوطنية وسلامة أراضيها إلى رفض استمرار النظام الدولي الحالي على ما هو عليه بزعامة الولايات المتحدة، على حد قول الأمين العام للمنظمة في بيجين، "تشانغ مينغ"، لشبكة الصين التلفزيونية CGTN بمناسبة انعقاد قمة سمرقند.
لعل الظروف الراهنة التي تواجهها الصين، وهي ما كانت تتوقع بكين حدوثه عندما بادرت إلى تأسيس مجموعة "شنغهاي 5" (Shanghai 5) عام 1996 في مدينة شنغهاي الصينية، والتي ضمّت في ذلك الوقت كلاً من الصين وروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان، بهدف ترسيم الحدود ونزع السلاح بين الصين وهذه الدول الأربع الحدودية التي استقلت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. كانت هذه المبادرة بدايات التحرك الصيني الاستراتيجي على المستويين الإقليمي والدولي، حيث تحولّت المجموعة، بعد خمسة أعوام على إنشائها، إلى منظمة شنغهاي للتعاون (SCO) ومقرها العاصمة الصينية بيجينغ، وانضمّت إليها أوزبكستان عام 2001، وهي دولة ليس لها حدود مع الصين. وسرعان ما توسّعت منظمة شنغهاي للتعاون، لتصبح ذات مكانة إقليمية مؤثّرة بعلاقاتها الواسعة مع العديد من المنظمات والهيئات الإقليمية والدولية كالأمم المتحدة واليونِسكو، ومنظمة دول جنوب شرق آسيا (ASEAN)، والصليب الأحمر الدولي، ومؤتمر التفاعل وتدابير بناء الثقة في آسيا (CICA)، ومنظمة التعاون الاقتصادي (ECO).
عام 2017 انضمّت الهند وباكستان للمنظمة، ليصبح أعضاؤها ثمانية. وهذا العام تمّ قبول عضوية إيران. وعدا عن الدول الأعضاء، فإنّ المنظمة تضمّ كلاً من منغوليا وأفغانستان وبيلاروس، بصفة مراقب، والأخيرة من المنتظر انضمامها كعضو في العام القادم. كما تضمّ المنظمة كلاً من تركيا، وأذربيجان، وكمبوديا، ونيبال، وسِريلانكا وأرمينيا كدول شريكة في الحوار. وقد وافقت المنظمة في هذه القمة على انضمام الدول التالية كشريكة في الحوار: مصر، والسعودية، وقطر، والإمارات، والكويت، والبحرين، وميانمار، والمالديف. كما أعلنت كلٌ من العراق وسوريا وبنغلاديش وفيتنام عن رغبتها في الانضمام إلى عضوية المنظمة.
ينظر البعض إلى زيادة أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون، باعتبارها نقطة إيجابية، من حيث زيادة التأثير الإقليمي والدولي للمنظمة، وزيادة الكتلة الجغرافية والديمغرافية والاقتصادية التي تمثّلها، إلّا أنّ هذه الزيادة في الوقت نفسه تشكّل عبئاً على المنظمة بشكلٍ عام، ومؤثراً سلبياً على مصالح الأقطاب الرئيسية المتنافسة فيها، وعلى رأسها الصين وروسيا والهند وباكستان، إذ تفتقد المنظمة لمقوّمات التحوّل إلى تحالف مشترك في وجه الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها، حيث استطاعت واشنطن خلال الأشهر الستة من الحرب الروسية – الأوكرانية إعادة ترتيب المعادلة الدولية، وإعادة المكانة الفاعلة والمنظمة للدور الأميركي على المسرح الدولي انطلاقاً من التنسيق القائم مع الاتحاد الأوروبي، ومع دول بريطانيا واليابان وأستراليا والهند ودول جنوب آسيا، بما فيها فيتنام، كما نجحت في إعادة حشد قوة حلف شمال الأطلسي كأكبر تكتلٍ عسكري بعد ضم السويد وفنلندا، وإعادة تنسيق الموقف مع الهند واليابان وأستراليا وفيتنام، وبعض الدول الأخرى مثل الفلبين وماليزيا، ما يبرّر التهدئة المفاجئة للتصعيد بين واشنطن وبكين، بعد تبادلهما بطريقة مكشوفة من على خلفية الأزمة التايوانية كل ما يمكن استعراضه من القوة العسكرية والاقتصادية والتقنية – العلمية، ليصلا فوراً إلى ضرورة التهدئة والهدنة غير المعلنة، والتراجع عن التصعيد رغم استمرارهما برفع راية الخصومة والمنافسة، حيث تقوم الاستراتيجية الأميركية على "التصدي لتوسّع نفوذ الصين على المسرح الدولي". والتهدئة الأميركية - الصينية، بشروط ومعايير غير معلومة إلى الآن، لا تنطبق على روسيا حيث أصبحت الحرب الأوكرانية أداة فاعلة لتطويع الحالة الروسية.
يرى العديد من الخبراء صعوبة، بل استحالة، تحوّل "منظمة شنغهاي للتعاون" إلى حلف سياسي – عسكري في مواجهة الغرب، على غرار حلف وارسو السابق. فعلى الرغم من رغبة روسيا وإيران بذلك وسعيهما إلى تطوير علاقاتهما مع الصين، إلّا أنّ ذلك لم يرقَ إلى مستوى الحديث عن تحالف ثلاثي، أو تشكيل محور سياسي - عسكري بين تلك الدول، سيّما وأنّ مقوّمات تشكيل مثل هذا المحور لا تتوفر حالياً لدى بكين التي لن تدخل في أي محور لمواجهة الولايات المتحدة الأميركية والتضحية بمصالحها الاستراتيجية الكبرى معها. فالولايات المتحدة الأميركية وأوروبا تشكّلان أكبر شريكٍ تجاري للصين، إضافةً إلى أنّ بكين تسعى للحصول على تطورات التكنولوجيا الغربية، والبقاء في الأسواق الغربية وكسب المال الغربي، كما تخشى الوقوع تحت سيف عقوبات الغرب. وذلك لا يعني تخلي الصين عن روسيا وإيران اللتين تستمران في دعمهما دبلوماسياً في مجلس الأمن الدولي، وفي الإعلام الذي لا يبدّل في واقع الأمر شيئاً، إضافةً إلى الحفاظ على مصالحها وتبادلاتها التجارية معهما.