Advertise here

الإفلاس المالي والإفلاس السياسي!

20 أيلول 2022 08:55:08

الإفلاس في لبنان لا يقتصر على الشق المالي والنقدي بل يمتد إلى الجانب السياسي والأخلاقي. لم يعد ممكناً البحث عن مصطلحات وصفات تصلح لوصف هذه الحقبة السوداء من تاريخ لبنان الحديث.

حالة عدم الاكتراث واللامبالاة والانفصام التي يعيشها بعض المسؤولين اللبنانيين في الأيام الأخيرة للعهد تشي بأن البلاد على قد تكون مقبلة على فوضى دستوريّة لن تخلو بطبيعة الحال من قلاقل واضطرابات أمنيّة متنقلة على خلفيّة تفاقم الأزمة المعيشيّة والاجتماعيّة لا سيّما مع وصول المودعين إلى أعلى درجات الغضب الشعبي المفهوم.

في المحصلة، ثمّة تحليلات تتحدّث عن دفع البلاد إلى المزيد من التشرذم والانقسام عبر الإصرار على تعطيل الانتخابات الرئاسيّة وتفجير الخلاف حول الصلاحيّات وشكل الحكومة وطبيعتها ودورها مع ما سوف يعنيه ذلك من تدهور مضاعف في المجال الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي.

ولكن، مع كل هذه التوجهات “الجهنميّة”، لا يزال المجال متاحاً للحيلولة دون تطبيقها مع الأخذ بالاعتبار التوازنات السياسيّة التي تفرضها خريطة المجلس النيابي الذي انتخب منذ نحو أربعة أشهر ويشهد حاليّاً حركة ناشطة بين كتله في محاولة غير سهلة على الإطلاق لبناء تفاهم على شخصيّة رئاسيّة تمتلك الكفاءة المطلوبة لإخراج البلاد من النفق المظلم الذي غرقت فيه.

الإفلاس السياسي في هذه اللحظة يعني ألّا تمانع أطراف معيّنة من جر البلاد نحو الفوضى فقط لأنها تعتبر أن مصالحها السياسيّة والفئويّة غير مؤمنة مع إنتهاء العهد الرئاسي الذي وفر لها غطاءً وانتفاخاً سياسيّاً ستفتقد معظم ميزاته في الآتي من الأيّام.

الإفلاس السياسي يعني بدوره ألّا تتوانى القوى التي تتمتّع بفائضٍ من القوّة عن إقحام لبنان مجدداً في مغامراتٍ عسكريّة هو بغنى عنها في أصعب لحظاته التاريخيّة وأكثرها حراجة ودقة ما يسمح لإسرائيل أن تنقضّ مجدداً على لبنان وتفرّغ حقدها الدفين تجاه التجربة اللبنانيّة بتنوعها وتعدديتها وديمقراطيتها، مهما كانت هشاشتها ولوثتها الطائفيّة والمذهبيّة.

لن يتمكن لبنان من إجتياز هذه المرحلة الصعبة من تاريخه من دون إتمام الاستحقاق الرئاسي في المهل الدستوريّة من خلال إختيار شخصيّة تحظى بالثقة في الداخل والخارج وتعمل على إخراج لبنان من مآزقه المتلاحقة والمتفاقمة على مختلف المستويات.

اللبنانيون لا يريدون إستنساخاً للعهد الحالي برموزه وأدبياته وفشله الذريع. إنهم يريدون الأمل بمستقبل أفضل، وهو لا يتحقق إلا بنقيض العهد الحالي.