Advertise here

تعطيل إقرار الموازنة ومهاجمة المصارف.. جولة تحديات جديدة

20 أيلول 2022 08:22:24

ما حصل يوم الجمعة الماضية كان جولة جديدة من التحدي السياسي، أبطاله رموز قوى الممانعة والحراك اليساري الجديد من جهة، وصقور القوى السيادية والتغييرية من جهة ثانية، وضحيته الموظفون بالدرجة الأولى، والمواطنون اللبنانيون عامة بالدرجة الثانية.

وتقول مصادر إن عمليات اقتحام المصارف من قبل مواطنين لهم ودائع فيها كان منسقا، وجاء ضمن خطة مدروسة مناطقيا، وهو ما اشار اليه وزير الداخلية بسام المولوي معلنا أن الأجهزة الأمنية توصلت إلى خيوط تؤكد وجود من يقف وراء هذه العمليات لاستهداف الأمن من دون أن يقدم دليلا حسيا على ذلك، برغم أن المهاجمين أصحاب حق، ومنهم من لديه اسباب إنسانية لطلب أمواله لتغطية فواتير علاج صحي، لكن اعتماد أسلوب تحصيل الحقوق بالقوة وراءه محاذير كما قال مولوي، وقد يؤسس لفوضى غير محسوبة النتائج، وأدى إلى شلّ البلد بسبب إضراب المصارف لثلاثة أيام متواصلة.

والواضح، من جهة ثانية، أن بعض القوى السيادية والتغييرية، وفي الطليعة كتلة نواب القوات اللبنانية، ردت على هذا الاستهداف المبرمج للمصارف بتعطيل نصاب جلسة إقرار موازنة الدولة للعام 2022، مما فرض على رئيس مجلس النواب نبيه بري تأجيل التصويت عليها إلى 26 سبتمبر، ولا يوجد أي ضمانات بإقرارها في هذا التاريخ. وحجة بري بالتأجيل كانت الانتظار لحين عودة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من الأمم المتحدة.

موقف القوات اللبنانية بالدفاع عن المصارف وعدم تحميلها مسؤولية ضياع أموال المودعين كان واضحا من خلال مداخلة نائب رئيس القوات جورج عدوان في جلسة مناقشة الموازنة، وهو اعتبر أن سندات الخزينة التي استدانتها الدولة من المصارف، كانت السبب الرئيسي للانهيار، وعلى الدولة ضمان إعادة أموال المصارف، لتتمكن المصارف من إعادة أموال المودعين، وقال عدوان إن المصارف خسرت ما يقارب 50 مليار دولار من خلال قبولها تسديد القروض من المواطنين والمستثمرين بالليرة اللبنانية وعلى سعر 1515 ليرة مقابل الدولار الواحد.

النهج التعطيلي المتجدد يبشر بدخول مرحلة مبارزة سياسية جديدة، قد تؤدي إلى فوضى أمنية غير محسوبة النتائج، لأن العسكريين والموظفين ينتظرون إقرار الموازنة لقبض مستحقاتهم التي أصبحت ثلاثة أضعاف ما كانوا يتقاضونه قبل الانهيار المالي، ومن دون صدور الموازنة الجديدة، لا يمكن تحصيل هذه المستحقات، كما لا يمكن للدولة جبايتها وفق تسعيرة الصرف المقترحة فيها.

ولا يغير الاتفاق على الإسراع بتشكيل حكومة جديدة هذه الوقائع، لأن الموضوع يحتاج حكما إلى قانون.

كتلة الجمهورية القوية أعلنت جهارا أن نوابها مع قوى تغييرية وبعض المعارضين انسحبوا لتعطيل نصاب جلسة الموازنة، مستهدفين نسفها لتضمنها أرقاما متناقضة كما قال النائب عدوان، لكن الدوافع الفعلية وراء هذا الموقف سياسية بامتياز.

بينما حزب الله وحلفاؤه يعتبرون الموازنة ممرا إلزاميا لتصحيح الخلل المالي.

وتعتبرها القوى الوسطية، وفي طليعتها اللقاء الديموقراطي، أنها مليئة بالشوائب، ولكن ذلك لا يبرر تعطيلها في هذا التوقيت، والبلاد تعاني من انهيار للقطاعات الخدماتية والتعليمية والصحية.

وما يهدد بتفاقم المخاوف من الكباش السياسي الجديد، اقدام نقابة المحامين على رفع دعوى توقف عن الدفع ضد المصارف، وهو ما سيدفع بقية نقابات المهن الحرة إلى الحذو حذوها، وهؤلاء لديهم مبالغ كبيرة لدى البنوك، ومنها مستحقات صناديق التعاضد لأفراد هذه النقابات، وهذه الدعاوى ستؤدي حكما إلى اعلان افلاس بعض البنوك، وهو أخطر حلقات الأزمة، لأنه يأتي في ظل فقدان الدولة لجزء كبير من هيبتها، بينما الأجهزة القضائية التي يفرض عليها القانون الإشراف على عمليات الإفلاس منهكة، وليس لها قدرة على مواكبة مثل هذه المهام الكبيرة.